قال:
أجل.. وهو تدبر المستبصرين والمتوسمين.. أولئك الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ (الحجر:75).. أولئك الذين تتحول
الحروف والكلمات في أعينهم وقلوبهم إلى حقائق يرونها بأبصارهم وبصائرهم، ولا
يرددونها فقط بألسنتهم.
قلت:
هل يمكن أن يحصل هذا؟
قال:
ألم تسمع بحديث الحارث بن مالك الأنصاري؟
قلت:
هل تقصد ذلك الذي قال له النبي a: كيف أصبحت يا حارث؟ فقال: أصبحت مؤمنا حقا، فقال a: انظر ما تقول! فإن لكل شئ
حقيقة؛ فما حقيقة إيمانك؟ فقال الحارث: (عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت لذلك ليلى
وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون
فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال a: (يا حارث! عرفت فالزم)[1]
قال:
ألا ترى كيف خرق للحارث حجاب المكان؛ فأصبح يرى عرش ربه.. وخرق له حجاب الزمان،
فأصبح يرى أهل الجنة وأهل النار؟
قلت:
بلى.. والحديث واضح..
قال:
العبرة ليست بحديث الحارث.. وإنما بحديث رسول الله a.. فقد قال له: (يا حارث! عرفت فالزم).. فالمعرفة التي لا يندمج
لها كل الكيان معرفة ناقصة.