عليها؛
فالله تعالى لم يخلق الشر ابتداء، ولكن الخلق هم الذين حولوا الخير إلى شر، وحولوا
النعمة إلى نقمة، وحولوا العافية إلى بلاء.
قلت:
لقد ذكرتني بحديث لرسول الله a
يقول فيه: (إن
مما أخاف عليكم بعدي: ما يفتح عليكـم من زهـرة الدنيـا وزينتها)، فقيل له: أوَيـأتي
الخيـر بالشـر يا رسول الله؟ فقال a: (إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل حَبَطًا[1]أو يُلم[2]، إلا آكلة الخْضِر[3]، فإنها أكلت، حتى إذا
امتدت خاصِرتاها استقبلت عين الشمس، فثلَطَت[4]، ثم رتعت)
وبعد
أن قدم رسول الله a
هذا التشبيه قال لهم: (إن هذا المال خَضِرٌ حلو، ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه
المسكين واليتيم وابن السبيل.. وإن من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون
عليه شهيدًا يوم القيامة)[5]
قال:
صدق رسول الله a
فهذا الحديث يبين حقيقة الدنيا.. فهي مثل الأرض التي يمكننا أن نزرع فيها العنب،
ويمكننا أن نزرع فيها الشوك.. ويمكننا أن نزرع فيها أصناف السموم.
قلت:
فكيف كانت الدنيا سببا لإشعال الحروب بينكم وبين إخوانكم؟
قال:
لقد تحولت الدنيا إلى مضمار تتسابق فيه النفوس الممتلئة بالأهواء.. ولذلك راح كل
فريق من أهل بلدنا ومن جيراننا يريد أن ينال منها أكبر قدر يستطيعه..
[1] الحبط: انتفاخ بطن الدابة من
الامتلاء أو من المرض.
[2] أو يلم: ألمَّ به يلمُّ: إذا
قاربه ودنا منه. يعني: أو يقرب من الهلاك.
[3] الخضِر: ضروب من النبات مما له
أصل غامض في الأرض كالنصيِّ. وليس من أحرار البقول وإنما هو من كلأ الصيف.
والنَّعمُ لا تستكثر منه وإنما ترعاه لعدم غيره.
[4] فثلطت: ثلط البعير يثلط: إذا
ألقى رجيعه سهلاً رقيقًا.