responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير البغوي - ط دار طيبة نویسنده : البغوي، أبو محمد    جلد : 1  صفحه : 160
شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" [1] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} أَيْ تَحْوِيلَهَا يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلْجَعْلِ مَحْذُوفًا، عَلَى تَقْدِيرِ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا مَنْسُوخَةً، وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْكَعْبَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ" أَيْ أَنْتُمْ.
{إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: "إِلَّا لِنَعْلَمَ" وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا قَبْلَ كَوْنِهَا قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعِلْمَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ عَالِمٌ بِهِ فِي الْغَيْبِ، إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجَدُ مَعْنَاهُ لِيَعْلَمَ الْعِلْمَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ عَلَيْهِ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، وَقِيلَ: إِلَّا لِنَعْلَمَ أَيْ: لِنَرَى وَنُمَيِّزَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ فِي الْقِبْلَةِ {مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} فَيَرْتَدُّ وَفِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْقِبْلَةَ لَمَّا حُوِّلَتِ ارْتَدَّ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالُوا: رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى دِينِ آبَائِهِ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: مَعْنَاهُ إِلَّا لِعِلْمِنَا مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ كَأَنَّهُ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ سَبَبٌ لِهِدَايَةِ قَوْمٍ وَضَلَالَةِ قَوْمٍ، وَقَدْ يَأْتِي لَفْظُ الِاسْتِقْبَالِ بِمَعْنَى الْمَاضِي كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ" (91-الْبَقَرَةِ) أَيْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ {وَإِنْ كَانَتْ} أَيْ قَدْ كَانَتْ أَيْ تَوْلِيَةُ الْكَعْبَةِ وَقِيلَ: الْكِتَابَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الْكَعْبَةِ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنْ كَانَتِ التَّحْوِيلَةُ {لَكَبِيرَةً} ثَقِيلَةً شَدِيدَةً {إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} أَيْ هَدَاهُمُ اللَّهُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: "وَإِنْ" تَأْكِيدٌ يُشْبِهُ الْيَمِينَ وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ اللَّامُ فِي جَوَابِهَا {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وَذَلِكَ أَنَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَخْبِرُونَا عَنْ صَلَاتِكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِنْ كَانَتْ هُدًى فَقَدْ تَحَوَّلْتُمْ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ ضَلَالَةً فَقَدْ دِنْتُمُ اللَّهَ بِهَا، وَمَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَيْهَا فَقَدْ مَاتَ عَلَى الضَّلَالَةِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِنَّمَا الْهُدَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالضَّلَالَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.
قَالُوا: فَمَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى قِبْلَتِنَا؟ وَكَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ الْقِبْلَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، وَكَانُوا مِنَ النُّقَبَاءِ وَرِجَالٌ آخَرُونَ فَانْطَلَقَ عَشَائِرُهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَرَفَكَ اللَّهُ إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ فَكَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [2] {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} يَعْنِي صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ لَرَءُوفٌ مُشَبَّعٌ عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ، لِأَنَّ أَكْثَرَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى فَعُولٍ وَفَعِيلٍ، كَالْغَفُورِ وَالشَّكُورِ وَالرَّحِيمِ وَالْكَرِيمِ وَغَيْرِهَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ

[1] أخرجه البخاري: في الاعتصام - باب: وكذلك جعلناكم أمة وسطا: 13 / 316 وفي التفسير والأنبياء. والمصنف في شرح السنة: 15 / 141.
[2] انظر فتح الباري كتاب التفسير باب "سيقول السفهاء من الناس ... " 8 / 171. تفسير الطبري: 3 / 167-169.
نام کتاب : تفسير البغوي - ط دار طيبة نویسنده : البغوي، أبو محمد    جلد : 1  صفحه : 160
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست