responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 94
مِنْهُ، أَمَّا إِذَا حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ وَحَصَلَ الْعِلْمُ وَحَصَلَتِ الْحِكْمَةُ الْمَانِعَةُ مِنَ الْقَبَائِحِ فَهَهُنَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ الْكَامِلُ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ (أَعُوذُ بِاللَّهِ) فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَعُوذُ بِالْقَادِرِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ الَّذِي لَا يَرْضَى بِشَيْءٍ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ فَلَا جَرَمَ يَحْصُلُ الزَّجْرُ التَّامُّ. النُّكْتَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: لَمَّا قَالَ الْعَبْدُ (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِأَنْ يُجَاوِرَ الشَّيْطَانَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ عَاصٍ، وَعِصْيَانُهُ لَا يَضُرُّ هَذَا الْمُسْلِمَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَرْضَى بِجِوَارِ الْعَاصِي فَبِأَنْ لَا يَرْضَى بِجِوَارِ عَيْنِ الْمَعْصِيَةِ أَوْلَى. النُّكْتَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: الشَّيْطَانُ اسْمٌ، وَالرَّجِيمُ صِفَةٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الِاسْمِ بَلْ ذَكَرَ الصِّفَةَ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّ هَذَا الشَّيْطَانَ بَقِيَ فِي الْخِدْمَةِ أُلُوفًا مِنَ السِّنِينَ فَهَلْ سَمِعْتَ أَنَّهُ ضَرَّنَا أَوْ فَعَلَ مَا يَسُوءُنَا؟ ثُمَّ إِنَّا مَعَ ذَلِكَ رَجَمْنَاهُ حَتَّى طَرَدْنَاهُ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَوْ جَلَسَ هَذَا الشَّيْطَانُ مَعَكَ لَحْظَةً وَاحِدَةً لَأَلْقَاكَ فِي النَّارِ الْخَالِدَةِ فَكَيْفَ لَا تَشْتَغِلُ بِطَرْدِهِ وَلَعْنِهِ فَقُلْ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) . النُّكْتَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: «أَعُوذُ بِالْمَلَائِكَةِ» مَعَ أَنَّ أَدْوَنَ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَكْفِي فِي دَفْعِ الشَّيْطَانِ؟ فَمَا السَّبَبُ فِي أَنَّ جَعْلَ ذِكْرِ هَذَا الْكَلْبِ فِي مُقَابَلَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَجَوَابُهُ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:
عَبْدِي إِنَّهُ يَرَاكَ وَأَنْتَ لَا تَرَاهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ [الْأَعْرَافِ: 27] وإنما نفذ كيده فيكم لِأَنَّهُ يَرَاكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَهُ، / فَتَمَسَّكُوا بِمَنْ يَرَى الشَّيْطَانَ وَلَا يَرَاهُ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقُولُوا: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. النُّكْتَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أُدْخِلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الشَّيْطَانِ لِيَكُونَ تَعْرِيفًا لِلْجِنْسِ، لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ كَثِيرَةٌ مَرْئِيَّةٌ وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ، بَلِ الْمَرْئِيُّ رُبَّمَا كَانَ أَشَدَّ، حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُذَكِّرِينَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ فَإِنَّهُ يَأْتِيهِ سَبْعُونَ شَيْطَانًا فَيَتَعَلَّقُونَ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَلْبِهِ وَيَمْنَعُونَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ بَعْضُ الْقَوْمِ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي أُقَاتِلُ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ، وَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَتَى الْمَنْزِلَ وَمَلَأَ ذَيْلَهُ مِنَ الْحِنْطَةِ وَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ فَوَثَبَتْ زَوْجَتُهُ وَجَعَلَتْ تُنَازِعُهُ وَتُحَارِبُهُ حَتَّى أَخْرَجَتْ ذَلِكَ مِنْ ذَيْلِهِ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ خَائِبًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْمُذَكِّرُ: مَاذَا عَمِلْتَ؟ فَقَالَ: هَزَمْتُ السَّبْعِينَ فَجَاءَتْ أُمُّهُمْ فَهَزَمَتْنِي، وَأَمَّا إِنْ جَعَلْنَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَعَاصِي بِرِضَى هَذَا الشَّيْطَانِ، وَالرَّاضِي يَجْرِي مَجْرَى الْفَاعِلِ لَهُ، وَإِذَا اسْتَبْعَدْتَ ذَلِكَ فَاعْرِفْهُ بِالْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمُقْتَدِي مِنْ حَيْثُ رَضِيَ بِهَا وَسَكَتَ خَلْفَهُ. النُّكْتَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: الشَّيْطَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ «شَطَنَ» إِذَا بَعُدَ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ بَعِيدًا، وَأَمَّا الْمُطِيعُ فَقَرِيبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [الْعَلَقِ: 19] وَاللَّهُ قَرِيبٌ مِنْكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [الْبَقَرَةِ: 186] وَأَمَّا الرَّجِيمُ فَهُوَ الْمَرْجُومُ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مَرْمِيًّا بِسَهْمِ اللَّعْنِ وَالشَّقَاوَةِ وَأَمَّا أَنْتَ فَمَوْصُولٌ بِحَبْلِ السَّعَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الْفَتْحِ: 26] فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الشَّيْطَانَ بَعِيدًا مَرْجُومًا، وَجَعَلَكَ قَرِيبًا مَوْصُولًا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ الشَّيْطَانَ الَّذِي هُوَ بَعِيدٌ قَرِيبًا لأنه تعالى قال:
وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فَاطِرٍ: 43] فَاعْرِفْ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَكَ قَرِيبًا فَإِنَّهُ لَا يَطْرُدُكَ وَلَا يُبْعِدُكَ عَنْ فضله ورحمته.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 94
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست