responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 244
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلًا [آلِ عِمْرَانَ: 191] وَيَتَجَلَّى لِأَكَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَرُؤَسَاءِ الْمَلَائِكَةِ بِذَاتِهِ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الْأَنْعَامِ: 91] إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَقْوَى الْأَسْمَاءِ فِي تَجَلِّي ذَاتِهِ، لِأَنَّهُ أَظْهَرُ الْأَسْمَاءِ فِي اللَّفْظِ، وَأَبْعَدُهَا مَعْنًى عَنِ الْعُقُولِ، فَهُوَ ظَاهِرٌ بَاطِنٌ، يَعْسُرُ إِنْكَارُهُ. وَلَا تُدْرَكُ أَسْرَارُهُ، قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَلَّاجُ: -
اسْمٌ مَعَ الْخَلْقِ قَدْ تَاهُوا بِهِ وَلَهًا ... لِيَعْلَمُوا مِنْهُ مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ
وَاللَّهِ مَا وَصَلُوا مِنْهُ إِلَى سَبَبٍ ... حَتَّى يَكُونَ الَّذِي أَبْدَاهُ مُبْدِيهِ
وَقَالَ أَيْضًا: -
يَا سِرَّ سِرٍّ يَدِقُّ حَتَّى ... يَخْفَى عَلَى وَهْمِ كُلِّ حَيِّ
فَظَاهِرًا بَاطِنًا تجلى ... لكل شيء بكل شيء
وَأَمَّا اسْمُهُ الرَّحْمَنُ فَهُوَ يُفِيدُ تَجَلِّي الْحَقِّ بِصِفَاتِهِ الْعَالِيَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْإِسْرَاءِ: 110] وَأَمَّا اسْمُهُ الرَّحِيمُ فَهُوَ يُفِيدُ تَجَلِّي الْحَقِّ بِأَفْعَالِهِ وَآيَاتِهِ وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً [غَافِرٍ: 7] .

الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي سَبَبِ اشْتِمَالِ الْفَاتِحَةِ على الأسماء الخمسة
سَبَبِ اشْتِمَالِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ:
السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ مَرَاتِبَ أَحْوَالِ الْخَلْقِ خَمْسَةٌ: أَوَّلُهَا: الْخَلْقُ، وَثَانِيهَا: التَّرْبِيَةُ فِي مَصَالِحَ الدُّنْيَا، وَثَالِثُهَا:
التَّرْبِيَةُ فِي تَعْرِيفِ الْمَبْدَأِ، وَرَابِعُهَا: التَّرْبِيَةُ فِي تَعْرِيفِ الْمَعَادِ، وَخَامِسُهَا: نَقْلُ الْأَرْوَاحِ مِنْ عَالَمِ الْأَجْسَادِ إِلَى دَارِ الْمَعَادِ، فَاسْمُ اللَّهِ مَنْبَعُ الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ وَالْإِبْدَاعِ وَاسْمُ الرَّبِّ يَدُلُّ عَلَى التَّرْبِيَةِ بِوُجُوهِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَاسْمُ الرَّحْمَنِ يَدُلُّ عَلَى التَّرْبِيَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ، وَاسْمُ الرَّحِيمِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَعَادِ حَتَّى يَحْتَرِزَ عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَيُقْدِمَ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَاسْمُ الْمَلِكِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُلُهُمْ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ، ثُمَّ عِنْدَ وُصُولِ الْعَبْدِ إِلَى هَذِهِ الْمَقَامَاتِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ فَقَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّكَ إِذَا انْتَفَعْتَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ فِي هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْخَمْسِ وَانْتَقَلْتَ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ صِرْتَ بِحَيْثُ تَرَى اللَّهَ، فَحِينَئِذٍ تَكَلَّمْ مَعَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاهَدَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ المغايبة، ثم قل: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، كَأَنَّهُ قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ لِأَنَّكَ اللَّهُ الْخَالِقُ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لِأَنَّكَ الرَّبُّ الرَّازِقُ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ لِأَنَّكَ الرَّحْمَنُ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لِأَنَّكَ الرَّحِيمُ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ لِأَنَّكَ الْمَلِكُ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لِأَنَّكَ الْمَالِكُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ مُنْتَقِلٌ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا إِلَى دَارِ الْآخِرَةِ، وَمِنْ دَارِ الشُّرُورِ إِلَى دَارِ السُّرُورِ، فَقَالَ: لَا بُدَّ لِذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ زَادٍ وَاسْتِعْدَادٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْعِبَادَةُ، فَلَا جَرَمَ قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، ثُمَّ قَالَ الْعَبْدُ: الَّذِي اكْتَسَبْتُهُ بِقُوَّتِي وَقُدْرَتِي قَلِيلٌ لَا يَكْفِينِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الطويل فاستعان بربه فقال، ما معنى قَلِيلٌ، فَأَعْطِنِي مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِكَ مَا يَكْفِينِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الطَّوِيلِ فَقَالَ: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، ثُمَّ لَمَّا حَصَلَ الزَّادُ لِيَوْمِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 244
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست