responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 239
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
[يُونُسَ: 10] وَإِذَا قُلْتَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَأَبْصِرْ بِهِ عَالَمَ الْجَمَالِ، وَهُوَ الرَّحْمَةُ وَالْفَضْلُ وَالْإِحْسَانُ، وَإِذَا قُلْتَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فَأَبْصِرْ بِهِ عَالَمَ الْجَلَالِ وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ وَالْأَهْوَالِ، وَإِذَا قُلْتَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ فَأَبْصِرْ بِهِ عَالَمَ الشَّرِيعَةِ، وَإِذَا قُلْتَ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فَأَبْصِرْ بِهِ الطَّرِيقَةَ، وَإِذَا قُلْتَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فَأَبْصِرْ بِهِ الْحَقِيقَةَ، وَإِذَا قُلْتَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ فَأَبْصِرْ بِهِ دَرَجَاتِ أَرْبَابِ السَّعَادَاتِ وَأَصْحَابِ الْكَرَامَاتِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَإِذَا قُلْتَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فَأَبْصِرْ بِهِ مَرَاتِبَ فُسَّاقِ أَهْلِ الْآفَاقِ، وَإِذَا قُلْتَ وَلَا الضَّالِّينَ فَأَبْصِرْ بِهِ دَرَكَاتِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالشِّقَاقِ وَالْخِزْيِ وَالنِّفَاقِ عَلَى كَثْرَةِ دَرَجَاتِهَا وَتَبَايُنِ أَطْرَافِهَا وَأَكْنَافِهَا.
ثُمَّ إِذَا انْكَشَفَتْ لَكَ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الْعَالِيَةُ وَالْمَرَاتِبُ السَّامِيَّةُ فَلَا تَظُنَّنَّ أَنَّكَ بَلَغْتَ الْغَوْرَ وَالْغَايَةَ، بَلْ عُدْ إِلَى الْإِقْرَارِ لِلْحَقِّ بِالْكِبْرِيَاءِ، وَلِنَفْسِكَ بِالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَقُلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ انْزِلْ مِنْ صِفَةِ الْكِبْرِيَاءِ إِلَى صِفَةِ الْعَظَمَةِ، فَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَرَّةً مِنْ صِفَةِ الْعَظَمَةِ فَاعْرِفْ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَظَمَةَ صِفَةُ الْعَرْشِ، وَلَا يَبْلُغُ مَخْلُوقٌ بِعَقْلِهِ كُنْهَ عَظَمَةِ الْعَرْشِ وَإِنْ بَقِيَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ الْعَالَمِ، ثُمَّ اعْرِفْ أَنَّ عَظَمَةَ الْعَرْشِ فِي مُقَابَلَةِ عَظَمَةِ اللَّهِ كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ فَكَيْفَ يُمْكِنُكَ أَنْ تَصِلَ إِلَى كُنْهِ عَظَمَةِ اللَّهِ؟ ثم هاهنا سِرٌّ عَجِيبٌ وَهُوَ أَنَّهُ مَا جَاءَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْظَمِ وَإِنَّمَا جَاءَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَمَا جَاءَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَالِي وَإِنَّمَا جَاءَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وَلِهَذَا التَّفَاوُتِ أَسْرَارٌ عَجِيبَةٌ لَا يَجُوزُ ذِكْرُهَا، فَإِذَا رَكَعْتَ وَقُلْتَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ فَعُدْ إِلَى الْقِيَامِ ثَانِيًا، وَادْعُ لِمَنْ وَقَفَ مَوْقِفَكَ وَحَمِدَ حَمْدَكَ وَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِنَّكَ إِذَا سَأَلْتَهَا لِغَيْرِكَ وَجَدْتَهَا لِنَفْسِكَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَزَالُ اللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ» .
قال قِيلَ: مَا السَّبَبُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ التَّكْبِيرُ؟.
قُلْنَا: لِأَنَّ التَّكْبِيرَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ وَهُوَ مَقَامُ الْهَيْبَةِ وَالْخَوْفِ، وَهَذَا الْمَقَامُ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ.
ثُمَّ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ فَعُدْ إِلَى التَّكْبِيرِ وَانْحَدِرْ بِهِ إِلَى صِفَةِ الْعُلُوِّ وَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّيَ/ الْأَعْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّجُودَ أَكْثَرُ تَوَاضُعًا مِنَ الرُّكُوعِ، لَا جَرَمَ الذِّكْرُ الْمَذْكُورُ فِي السُّجُودِ هُوَ بِنَاءُ الْمُبَالَغَةِ- وَهُوَ الْأَعْلَى- وَالذِّكْرُ الْمَذْكُورُ فِي الرُّكُوعِ هُوَ لَفْظُ الْعَظِيمِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءِ الْمُبَالَغَةِ،
رُوِيَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَلَكًا تَحْتَ الْعَرْشِ اسْمُهُ حِزْقِيلُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَيُّهَا الْمَلَكُ، طِرْ فَطَارَ مِقْدَارَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ ثَلَاثِينَ ثُمَّ ثَلَاثِينَ فَلَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيِ الْعَرْشِ إِلَى الثَّانِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ لَوْ طِرْتَ إِلَى نَفْخِ الصُّورِ لَمْ تَبْلُغِ الطَّرَفَ الثَّانِيَ مِنَ الْعَرْشِ، فَقَالَ الْمَلَكُ عِنْدَ ذَلِكَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحِكْمَةُ فِي السَّجْدَتَيْنِ؟ قُلْنَا: فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ السَّجْدَةَ الْأُولَى لِلْأَزَلِ، وَالثَّانِيَةَ لِلْأَبَدِ، وَالِارْتِفَاعَ فِيمَا بَيْنَهُمَا إِشَارَةٌ إِلَى وُجُودِ الدُّنْيَا فِيمَا بَيْنَ الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّكَ تَعْرِفُ بِأَزَلِيَّتِهِ أَنَّهُ هُوَ الْأَوَّلُ لَا أَوَّلَ قَبْلَهُ فَتَسْجُدَ لَهُ، وَتَعْرِفَ بِأَبَدِيَّتِهِ أَنَّهُ الْآخِرُ لَا آخِرَ بَعْدَهُ فَتَسْجُدَ لَهُ ثَانِيًا. الثَّانِي: قِيلَ: اعْلَمْ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى فَنَاءَ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ، وَبِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَنَاءَ عَالَمِ الْآخِرَةِ عِنْدَ ظُهُورِ نُورِ جَلَالِ اللَّهِ. الثَّالِثُ: السَّجْدَةُ الْأُولَى فَنَاءُ الْكُلِّ فِي نَفْسِهَا وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ بَقَاءُ الْكُلِّ بِإِبْقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.
[الْقَصَصِ: 88] الرَّابِعُ: السَّجْدَةُ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى انْقِيَادِ عَالَمِ الشَّهَادَةِ لِقُدْرَةِ اللَّهِ، وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ تَدُلُّ عَلَى انْقِيَادِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 239
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست