responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 224
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَدَّمَ ذِكْرَ الْعُصَاةِ عَلَى ذِكْرِ الْكَفَرَةِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحْتَرِزُ عَنِ الْكُفْرِ أَمَّا قَدْ لَا يَحْتَرِزُ عَنِ الْفِسْقِ فَكَانَ أَهَمَّ فَلِهَذَا السَّبَبِ قُدِّمَ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ إِنَّمَا تَوَلَّدَ عَنْ عِلْمِهِ بِصُدُورِ الْقَبِيحِ وَالْجِنَايَةِ عَنْهُ، فَهَذَا الْعِلْمُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ قَدِيمٌ، أَوْ مُحْدَثٌ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعِلْمُ قَدِيمًا فَلِمَ خَلَقَهُ وَلِمَ أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ مِنْ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ إِلَّا الْعَذَابَ الدَّائِمَ، وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ غَضْبَانَ عَلَى الشَّيْءِ كَيْفَ يُعْقَلُ إِقَدَامُهُ عَلَى إِيجَادِهِ وَعَلَى تَكْوِينِهِ؟ وَأَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ حَادِثًا كَانَ الْبَارِي تَعَالَى مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَفْتَقِرَ إِحْدَاثُ ذَلِكَ الْعِلْمِ إِلَى سَبْقِ عِلْمٍ آخَرَ، وَيَتَسَلْسَلَ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَجَوَابُهُ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَغْضُوبًا عَلَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي أَنْ ذَكَرَ عَقِيبَهُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ؟
وَالْجَوَابُ: الْإِيمَانُ إِنَّمَا يَكْمُلُ بِالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ، كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَوْ وُزِنَ خَوْفُ الْمُؤْمِنِ وَرَجَاؤُهُ لَاعْتَدَلَا،
فَقَوْلُهُ: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يُوجِبُ الرَّجَاءَ الْكَامِلَ، وَقَوْلُهُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ يُوجِبُ الْخَوْفَ الْكَامِلَ، وَحِينَئِذٍ يَقْوَى الْإِيمَانُ بِرُكْنَيْهِ وَطَرَفَيْهِ، وَيَنْتَهِي إِلَى حَدِّ الْكَمَالِ.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ آخَرُ، مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْمَقْبُولِينَ طَائِفَةً وَاحِدَةً وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَالْمَرْدُودِينَ فَرِيقَيْنِ: الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَالضَّالِّينَ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِينَ كَمُلَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ هُمُ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ لِذَاتِهِ وَالْخَيْرِ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، فَإِنِ اخْتَلَّ قَيْدُ الْعَمَلِ فَهُمُ الْفَسَقَةُ وَهُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النِّسَاءِ: 93] وَإِنِ اخْتَلَّ قَيْدُ الْعِلْمِ فَهُمُ الضَّالُّونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يُونُسَ: 32] وَهَذَا آخِرُ كَلَامِنَا فِي تَفْسِيرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي

الْكَلَامُ فِي تَفْسِيرِ مَجْمُوعِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَفِيهِ فُصُولٌ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْأَسْرَارِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ
اعْلَمْ أَنَّ عَالَمَ الدُّنْيَا عالم الكدورة، وعالم الآخرة عالم الصفاء، فَالْآخِرَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا كَالْأَصْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَرْعِ، وَكَالْجِسْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظِّلِّ، فَكُلُّ مَا فِي الدُّنْيَا فَلَا بُدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَصْلٍ، وَإِلَّا كَانَ كَالسَّرَابِ الْبَاطِلِ وَالْخَيَالِ الْعَاطِلِ، وَكُلُّ مَا فِي الْآخِرَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ مِثَالٍ، وَإِلَّا لَكَانَ كَالشَّجَرَةِ بِلَا ثَمَرَةٍ وَمَدْلُولٍ بِلَا دَلِيلٍ، فَعَالَمُ الرُّوحَانِيَّاتِ عَالَمُ الْأَضْوَاءِ وَالْأَنْوَارِ وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ وَاللَّذَّةِ وَالْحُبُورِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرُّوحَانِيَّاتِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 224
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست