responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 218
مَذْمُومَانِ، وَالْحَقُّ هُوَ الْوَسَطُ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَةِ: 143] وَذَلِكَ الْوَسَطُ هُوَ الْعَدْلُ وَالصَّوَابُ، فَالْمُؤْمِنُ بَعْدَ أَنْ عَرَفَ اللَّهَ بِالدَّلِيلِ صَارَ مُؤْمِنًا مُهْتَدِيًا، أَمَّا بَعْدَ حُصُولِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَدْلِ الَّذِي هُوَ الْخَطُّ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي الْأَعْمَالِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَفِي الْأَعْمَالِ الْغَضَبِيَّةِ وَفِي كَيْفِيَّةِ إِنْفَاقِ الْمَالِ، فَالْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي هُوَ الْوَسَطُ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ فِي كُلِّ الْأَخْلَاقِ وَفِي كُلِّ الْأَعْمَالِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا عَرَفَ اللَّهَ بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ فَلَا مَوْجُودَ مِنْ أَقْسَامِ الْمُمْكِنَاتِ إِلَّا وَفِيهِ دَلَائِلُ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَرُبَّمَا صَحَّ دِينُ الْإِنْسَانِ بِالدَّلِيلِ الْوَاحِدِ وَبَقِيَ غَافِلًا عَنْ سَائِرِ الدَّلَائِلِ، فَقَوْلُهُ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مَعْنَاهُ عَرِّفْنَا يَا إِلَهَنَا مَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ كَيْفِيَّةِ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَاتِكَ وَصِفَاتِكَ وَقُدْرَتِكَ وَعِلْمِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الشُّورَى: 52، 53] وَقَالَ أَيْضًا لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [الْأَنْعَامِ: 153] وَذَلِكَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُعْرِضًا عَمَّا سِوَى اللَّهِ مُقْبِلًا بِكُلِّيَّةِ قَلْبِهِ وَفِكْرِهِ وَذِكْرِهِ عَلَى اللَّهِ، فَقَوْلُهُ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الْمُرَادُ أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، مِثَالُهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ أُمِرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ لَأَطَاعَ كَمَا فَعَلَهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ أُمِرَ بِأَنْ يَنْقَادَ لِيَذْبَحَهُ غَيْرُهُ لَأَطَاعَ كَمَا فَعَلَهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ أُمِرَ بِأَنْ يَرْمِيَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ لَأَطَاعَ كَمَا فَعَلَهُ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ أُمِرَ بِأَنْ يَتَّلْمَذَ لِمَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ/ بَعْدَ بُلُوغِهِ فِي الْمَنْصِبِ إِلَى أَعْلَى الْغَايَاتِ لَأَطَاعَ كَمَا فَعَلَهُ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَلَوْ أُمِرَ بِأَنْ يَصْبِرَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى الْقَتْلِ وَالتَّفْرِيقِ نِصْفَيْنِ لَأَطَاعَ كَمَا فَعَلَهُ يَحْيَى وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الِاقْتِدَاءُ بِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ فِي الصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدِ وَالثَّبَاتِ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مَقَامٌ شَدِيدٌ هَائِلٌ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْخَلْقِ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا، فَإِنَّهُ لَا يَضِيقُ أَمْرٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِلَّا اتَّسَعَ، لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ صِرَاطَ الَّذِينَ ضَرَبُوا وَقَتَلُوا بَلْ قَالَ: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ فَلْتَكُنْ نِيَّتُكَ عِنْدَ قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَقُولَ: يَا إِلَهِي، إِنَّ وَالِدِي رَأَيْتُهُ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ، كَمَا ارْتَكَبْتُهَا وَأَقْدَمَ عَلَى الْمَعَاصِي كَمَا أَقْدَمْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ لَمَّا قَرُبَ مَوْتُهُ تَابَ وَأَنَابَ فَحَكَمْتَ لَهُ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَالْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ فَهُوَ مِمَّنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بِأَنْ وَفَّقْتَهُ لِلتَّوْبَةِ، ثُمَّ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَبِلْتَ تَوْبَتَهُ. فَأَنَا أَقُولُ: اهْدِنَا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ طَلَبًا لِمَرْتَبَةِ التَّائِبِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَهَا فَاطْلُبِ الِاقْتِدَاءَ بِدَرَجَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَهَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: كَأَنَّ الْإِنْسَانَ يَقُولُ فِي الطَّرِيقِ: كَثْرَةُ الْأَحْبَابِ يَجُرُّونَنِي إِلَى طَرِيقٍ، وَالْأَعْدَاءُ إِلَى طَرِيقٍ ثَانٍ، وَالشَّيْطَانُ إِلَى طَرِيقٍ ثَالِثٍ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي التَّعْطِيلِ وَالتَّشْبِيهِ وَالْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَالْإِرْجَاءِ وَالْوَعِيدِ وَالرَّفْضِ وَالْخُرُوجِ، وَالْعَقْلُ ضَعِيفٌ، وَالْعُمْرُ قَصِيرٌ، وَالصِّنَاعَةُ طَوِيلَةٌ، وَالتَّجْرِبَةُ خَطِرَةٌ، وَالْقَضَاءُ عَسِيرٌ، وَقَدْ تَحَيَّرْتُ فِي الْكُلِّ فَاهْدِنِي إِلَى طَرِيقٍ أَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَالْمُسْتَقِيمُ: السَّوِيُّ الَّذِي لَا غِلَظَ فِيهِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست