responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 167
قَلْبِهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي هَذِهِ الْأَسْبَابِ تَأَمُّلًا شَافِيًا وَافِيًا فَيَقُولُ: هَذَا الْأَمِيرُ الْمُسْتَوْلِي عَلَى هَذَا الْعَالَمِ اسْتَوْلَى عَلَى الدُّنْيَا بِفَرْطِ قُوَّتِهِ وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ أَمْ لَا؟ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَمِيرَ رُبَّمَا كَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ عَجْزًا، وَأَقَلَّهُمْ عَقْلًا، فَعِنْدَ هَذَا، يَظْهَرُ لَهُ أَنَّ تِلْكَ الْإِمَارَةَ وَالرِّيَاسَةَ مَا حَصَلَتْ لَهُ بِقُوَّتِهِ، وَمَا هُيِّئَتْ لَهُ بِسَبَبِ حِكْمَتِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ تِلْكَ الْإِمَارَةُ وَالرِّيَاسَةُ لِأَجْلِ قِسْمَةِ قَسَّامٍ وَقَضَاءِ حَكِيمٍ عَلَّامٍ لَا دَافِعَ لِحُكْمِهِ وَلَا مَرَدَّ لِقَضَائِهِ، ثُمَّ يَنْضَمُّ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الِاعْتِبَارِ أَنْوَاعٌ أُخْرَى مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ تُعَاضِدُهَا وَتُقَوِّيهَا، فَعِنْدَ حُصُولِ هَذِهِ الْمُكَاشَفَةِ يَنْقَطِعُ قَلْبُهُ عَنِ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْهَا إِلَى الرُّجُوعِ فِي كُلِّ الْمُهِمَّاتِ وَالْمَطْلُوبَاتِ إِلَى مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ وَمُفَتِّحِ الْأَبْوَابِ، ثُمَّ إِذَا تَوَالَتْ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتُ وَتَوَاتَرَتْ هَذِهِ الْمُكَاشَفَاتُ صَارَ الْإِنْسَانُ بِحَيْثُ كَلَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِ نَفْعٌ وَخَيْرٌ قَالَ هُوَ النَّافِعُ وَكُلَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِ شَرٌّ وَمَكْرُوهٌ قَالَ: هُوَ الضَّارُّ، وَعِنْدَ هَذَا لَا يَحْمَدُ أَحَدًا عَلَى فِعْلٍ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا يَتَوَجَّهُ قَلْبُهُ فِي طَلَبِ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، فَيَصِيرُ الْحَمْدُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَالثَّنَاءُ كُلُّهُ لِلَّهِ، فَعِنْدَ هَذَا يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ الْعَبْدَ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ هَذَا الْعَالَمِ لَا تَنْتَظِمُ إِلَّا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، ثُمَّ يَتَرَقَّى مِنَ الْعَالَمِ الصَّغِيرِ إِلَى الْعَالَمِ الْكَبِيرِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَنْتَظِمُ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الْعَالَمِ الْأَكْبَرِ إِلَّا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ، وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ:
رَبِّ الْعالَمِينَ ثُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ يَتَأَمَّلُ فِي أَحْوَالِ الْعَالَمِ الْأَعْلَى فَيُشَاهِدُ أَنَّ أَحْوَالَ الْعَالَمِينَ مَنْظُومَةٌ عَلَى الْوَصْفِ الْأَتْقَنِ وَالتَّرْتِيبِ الْأَقْوَمِ وَالْكَمَالِ الْأَعْلَى وَالْمَنْهَجِ الْأَسْنَى فَيَرَى الذَّرَّاتِ نَاطِقَةً بِالْإِقْرَارِ بِكَمَالِ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ أَنَّ جَمِيعَ مَصَالِحِهِ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا تَهَيَّأَتْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، ثُمَّ يَبْقَى الْعَبْدُ مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَأَنَّهُ يُقَالُ:
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ليس إلا الذي عرفته بأنه هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، فَحِينَئِذٍ يَنْشَرِحُ صَدْرُ الْعَبْدِ وَيَنْفَسِحُ قَلْبُهُ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَكَفِّلَ بِإِصْلَاحِ مُهِمَّاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَيْسَ إِلَّا اللَّهُ، وَحِينَئِذٍ يَنْقَطِعُ الْتِفَاتُهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ وَلَا يَبْقَى مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِغَيْرِ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ حِينَ كَانَ مُتَعَلِّقَ الْقَلْبِ بِالْأَمِيرِ وَالْوَزِيرِ كَانَ مَشْغُولًا بِخِدْمَتِهِمَا، وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تِلْكَ الْخِدْمَةِ كَانَ يَسْتَعِينُ فِي تَحْصِيلِ الْمُهِمَّاتِ بِهِمَا وَكَانَ يُطْلَبُ الْخَيْرُ مِنْهُمَا، فَعِنْدَ زَوَالِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُشْتَغِلًا بِخِدْمَةِ الْأَمِيرِ وَالْوَزِيرِ فَلِأَنْ يَشْتَغِلَ بِخِدْمَةِ الْمَعْبُودِ كَانَ أَوْلَى، فَعِنْدَ هَذَا يَقُولُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَالْمَعْنَى إِنِّي كُنْتُ قبل هذا/ أعبد غيرك، وأما الآن فلا أعبد أحداً سواك، ولما كان يستعين في تحصيل المهمات بالأمير والوزير فلأن يستعين بالمعبود الحق في تحصيل المرادات كان أولى، فيقول: وإياك نستعين وَالْمَعْنَى: إِنِّي كُنْتُ قَبْلَ هَذَا أَسْتَعِينُ بِغَيْرِكَ وَأَمَّا الْآنَ فَلَا أَسْتَعِينُ بِأَحَدٍ سِوَاكَ، وَلَمَّا كَانَ يَطْلُبُ الْمَالَ وَالْجَاهَ اللَّذَيْنِ هُمَا عَلَى شَفَا حُفْرَةِ الِانْقِرَاضِ وَالِانْقِضَاءِ مِنَ الْأَمِيرِ وَالْوَزِيرِ فَلِأَنْ يَطْلُبَ الْهِدَايَةَ وَالْمَعْرِفَةَ مِنْ رَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْلَى، فَيَقُولُ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا فَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِينَ لَا يَعْبُدُونَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَلَا يَسْتَعِينُونَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا يَطْلُبُونَ الْأَغْرَاضَ وَالْمَقَاصِدَ إِلَّا مِنَ الله، والفرقة الثانية، الذين يخدمون الخلق ويستعينوا بِهِمْ وَيَطْلُبُونَ الْخَيْرَ مِنْهُمْ، فَلَا جَرَمَ الْعَبْدُ يَقُولُ: إِلَهِي اجْعَلْنِي فِي زُمْرَةِ الْفِرْقَةِ الْأُولَى، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْأَنْوَارِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْجَلَايَا النُّورَانِيَّةِ، وَلَا تَجْعَلْنِي فِي زُمْرَةِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَهُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ وَالضَّالُّونَ، فَإِنَّ مُتَابَعَةَ هَذِهِ الْفِرْقَةِ لَا تُفِيدُ إِلَّا الْخَسَارَ وَالْهَلَاكَ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 167
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست