responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 151
لا رحمن إلا الله.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ رَحْمَةٌ أَمْ لَا؟ قُلْنَا: الْحَقُّ أَنَّ الرَّحْمَةَ لَيْسَتْ إِلَّا لِلَّهِ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ رَحْمَةٌ إِلَّا أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ أَكْمَلُ مِنْ رَحْمَةِ غَيْرِهِ، وَهَاهُنَا مَقَامَانِ: الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا رَحْمَةَ إِلَّا لِلَّهِ، فَنَقُولُ:
الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْجُودَ هُوَ إِفَادَةُ مَا يَنْبَغِي لَا لِعِوَضٍ، فَكُلُّ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ إِنَّمَا يُعْطِي لِيَأْخُذَ عِوَضًا، إِلَّا أَنَّ الْأَعْوَاضَ أَقْسَامٌ: مِنْهَا جُسْمَانِيَّةٌ مِثْلَ أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا لِيَأْخُذَ كِرْبَاسًا، وَمِنْهَا رُوحَانِيَّةٌ وَهِيَ أَقْسَامٌ:
فَأَحَدُهَا: أَنَّهُ يُعْطِي الْمَالَ لِطَلَبِ الْخِدْمَةِ، وَثَانِيهَا: يُعْطِي الْمَالَ لِطَلَبِ الْإِعَانَةِ، وَثَالِثُهَا: يُعْطِي الْمَالَ لِطَلَبِ الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ، وَرَابِعُهَا: يُعْطِي الْمَالَ لِطَلَبِ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، وَخَامِسُهَا: يُعْطِي الْمَالَ لِيُزِيلَ حُبَّ الْمَالِ عَنِ الْقَلْبِ، وَسَادِسُهَا: يُعْطِي الْمَالَ لِدَفْعِ الرِّقَّةِ الْجِنْسِيَّةِ عَنْ قَلْبِهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَعْوَاضٌ رُوحَانِيَّةٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَنْ أَعْطَى فَإِنَّمَا يُعْطِي لِيَفُوزَ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْعَطَاءِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَمَالِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَاوَضَةٌ، وَلَا يَكُونُ جُودًا، وَلَا هِبَةً، وَلَا عَطِيَّةً، أَمَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ كَامِلٌ لِذَاتِهِ، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُعْطِيَ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ كَمَالًا، فَكَانَ الْجَوَادُ الْمُطْلَقُ وَالرَّاحِمُ الْمُطْلَقُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ سِوَى اللَّهِ فَهُوَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِإِيجَادِ وَاجِبِ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، فَكُلُّ رَحْمَةٍ تَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ فَهِيَ إِنَّمَا دَخَلَتْ فِي الْوُجُودِ بِإِيجَادِ اللَّهِ فَيَكُونُ الرَّحِيمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، فَيَمْتَنِعُ رُجْحَانُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ دَاعِيَةٍ جَازِمَةٍ فِي الْقَلْبِ، فَعِنْدَ عَدَمِ حُصُولِ تِلْكَ الدَّاعِيَةِ يَمْتَنِعُ صُدُورُ تِلْكَ الرَّحْمَةِ مِنْهُ، وَعِنْدَ حُصُولِهَا يَجِبُ صُدُورُ الرَّحْمَةِ مِنْهُ، فَيَكُونُ الرَّاحِمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الَّذِي خَلَقَ تلك الداعية في ذلك لقلب، وَمَا ذَاكَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَيَكُونُ الرَّاحِمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: هَبْ أَنَّ فُلَانًا يُعْطِي الْحِنْطَةَ، وَلَكِنْ مَا لَمْ تَحْصُلِ الْمَعِدَةُ الْهَاضِمَةُ لِلطَّعَامِ لَمْ يَحْصُلِ الِانْتِفَاعُ بِتِلْكَ الْحِنْطَةِ، وَهَبْ أَنَّهُ وَهَبَ الْبُسْتَانَ فَمَا لَمْ تَحْصُلِ الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَحْصُلِ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ الْبُسْتَانِ، بَلِ الْحَقُّ أَنَّ خَالِقَ تِلْكَ الْحِنْطَةِ وَذَلِكَ الْبُسْتَانِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُمَكِّنُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا هُوَ اللَّهُ، وَالْحَافِظُ لَهُ عَنْ أَنْوَاعِ الْآفَاتِ وَالْمَخَافَاتِ حَتَّى يَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، فَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ:
الْمُنْعِمُ وَالرَّاحِمُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَقَامُ الثَّانِي: فِي بيان أن تقدير أَنْ تَحْصُلَ الرَّحْمَةُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ أَكْمَلُ وَأَعْظَمُ. وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِنْعَامَ يُوجِبُ عُلُوَّ حَالِ الْمُنْعِمِ وَدَنَاءَةَ حَالِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُنْعِمِ، فَإِذَا حَصَلَ التَّوَاضُعُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَضْرَةِ اللَّهِ فَذَاكَ خَيْرٌ مِنْ حُصُولِ هَذِهِ الْحَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْخَلْقِ.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِنِعْمَةٍ طَلَبَ عِنْدَهَا مِنْكَ عَمَلًا تَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى اسْتِحْقَاقِ نِعَمِ الْآخِرَةِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُكَ بِأَنْ تَكْتَسِبَ لِنَفْسِكَ سَعَادَةَ الْأَبَدِ، وَأَمَّا غَيْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِنِعْمَةٍ أَمَرَكَ بِالِاشْتِغَالِ بِخِدْمَتِهِ وَالِانْصِرَافِ إِلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَالَةَ الْأُولَى أَفْضَلُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ يَصِيرُ كَالْعَبْدِ لِلْمُنْعِمِ، وَعُبُودِيَّةَ اللَّهِ أَوْلَى مِنْ عُبُودِيَّةِ غير الله.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 151
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست