responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 375
أيها الإخوان:
ازدهرت حضارات الأمم القديمة من العرب وفارس والهند والصين ومصر واليونان والرومان وزخرت علومها، وكانت كلها مبنية على أصول عامة متشابهة، وكانت لكل حضارة لغتها المعبّرة عن محاسنها والكاشفة عن حقائقها، وكان لتلك اللغات أثر بيّن في بقاء الحضارة وانتشارها، وكل من بقاء الحضارة وانتشارها يتوقف على ما في اللغة من قوة وحياة واتّساع، فاللغة من الحضارة جزء لا كالأجزاء، كاللسان من البدن عضو لا كالأعضاء. ثم اندثرت تلك المدنيات والعلوم إلا ما بقي من آثار الأولى منقوشًا على الأحجار، وما بقي من آثار الثانية مكتوبًا في الأسفار. ولولا اللغات لم نتبين من الحضارات ما تبيّناه.

أيها الإخوان: كانت الحضارات القديمة تقوم على تعبد يسدّ شعور النفس البشرية بالخضوع إلى قوة أعلى منها، فإن لم يكن هذا التعبّد حقًا طغت عليه الخرافة وأصبحت الخرافة جزءًا من المدنية. وتقوم على تشريع يوزّع العدل بين الناس ويحفظ مصالحهم الدنيوية، فإن لم يستند هذا التشريع على وحي سماوي أو نظام شوري طغى عليه التحكّم والاستبداد وأصبح الاستبداد جزءًا من تلك المدنية. وتقوم على نتاج القرائح البشرية من علوم، فإن لم تكفل هذه القرائح حرية شاملة لابسها التزوير والكذب وأصبح التزوير والكذب جزءًا من تلك المدنية. وتقوم على لغة تسع تلك المدنية بيانًا وإفصاحًا، فإن ضاقت اللغة خسرت المدنية، وإن حضارة اليوم لم تسلم من بعض هذه النقائص والعيوب.
كانت هذه حال الحضارات إلى أن جاء الإسلام بالحضارة التي لا تبيد والمدنية المبنية على حكم الله وآداب النبوّة، فكان التوحيد أساسها والفضائل أركانها والتشريع الإلهي العادل سياجها واللغة العربية الناصعة البيان الواسعة الأفق لسانها. وبذلك كله أصبحت مهيمنة على المدنيات كلها ووضع الإسلام هذه الحضارة الخالدة على القواعد الثابتة مما ذكرناه.
وقامت اللغة العربية ببيانها على أكمل وجه، وكانت الأمة المدخرة لتشييد هذه الحضارة التي نسمّيها بحق الحضارة الإسلامية هي الأمة العربية.
فهم العرب لأول عهدهم بالإسلام وبإرشاد القرآن أن هناك أممًا قد خلت عمرت الأرض ومكّن لها الله فيها، وكانت أكثر أموالًا وأعزّ نفرًا وأثبت آثارًا، وامتثلوا أمر القرآن بالسير في الأرض والنظر في آثار تلك الأمم والاعتبار بمصائرها وعواقبها، ونبّههم القرآن إلى أن مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، فكان هذا الإرشاد القرآني المتكرر حفزًا إلى التنقيب عن آثار المدنيات القديمة ودراستها والاطّلاع على الصالح النافع منها والأخذ به. وكان من آثار هذا التنبيه القرآني أن تفتّحت أذهان المسلمين- ولا أعنيكم- إلى دراسة

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 375
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست