responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 372
وكانت الدولة المرينية التي قامت على أنقاض الدولة الموحدية بالمغرب متوثبة إلى الفتح، مندفعة إلى القوة بالقوة، جاذبة إليها عظماء الرجال وأساطين الفكر، فتوسّم ابن خلدون أن بضائعه النادرة الغالية لا تنفق إلّا في سوقها، فاتصل بها واتصلت به، وكان طبيعيًا أن تلمسان هي جسر مرورها إليها، فدخلها في طريقه إلى حاضرة بني مرين وتلاقى الحبيبان بعد طول الفراق وإلحاح الأشواق، وانتهت تلك الإرهاصات بالمعجزة ...
ثم كانت الأحداث في الدولة المرينية المتقلبة تدفع هذا الرجل الفذ تارةً إلى الصدر وتدفعه تارةً عن الصدر، وكان النزاع محتدًا بين بني مرين وبني زيان على تلمسان، كل يريد أن تكون درّة في تاجه، فكانت تلك الأحداث وذلك النهل مما يثمر اتصال الحبيبين "تلمسان وابن خلدون"، فدخلها مرارًا وأحلته المكان الرحب بين صدورها وأمرائها وعلمائها حتى خطبته لأن يكون مدبّر دولتها والمصرف للأمر والنهي فيها واللسان الناطق عن ملوكها، فأبى لا استقلالًا لقيمتها في نفسه ولكن رأى بنظره الثاقب أنه لا يستقرّ فيها له قرار، وبين بني مرين وبني زيان ما بينهم من مصاولة عليها ومنازعات فيها، فتخلّص بحيلة إن لم تبلغ منه تلمسان ومن علومه وآرائه كل مُناها فقد أبلغتها بعضًا، وهو إبقاء أخيه الكاتب المؤرخ أي زكريا يحيى ابن خلدون كاتبًا بالأعتاب الزيانية، ثم تقلبت به صروف الدهر، فأقام سنوات بمدينة بسكرة واغتبط بها وأفاء عليه أمراؤها الأكارم بنو مزني من نعمهم وإكرامهم ما أنساه حواضر الملك العظيمة وعطايا الملوك الجسيمة، وكانت تربطه صلة الصهر بمدينة قسنطينة، فلا شك بأنه كان ينتابها في بعض الأحايين لتلك العلاقة، ينفّس فيها بعض هموم نفسه الكبيرة، ولا بأس بوزارة حينًا ببجاية وهي مدينة العلم إذّاك وبها من فرسان المعقول والمنقول العدد الوفير، وكثير منهم يتصل بمؤرخنا بلحمة الأساتذة والمشائخ، ورحم العلم موصولة بين بجاية والأندلس وتلمسان وقسنطينة، وكانت بجاية إذّاك تمث لكل مدينة من هذه المدن بالصلة الوثيقة، فمؤرّخنا قد كان يتقفب من مراكش إلى تونس بين عواصم علمية متشابهة الأعلام، متشابكة الأرحام، وإنْ فرقت فيها بواعث السياسة والتنافس في الملك، ونشهد في تضاعيف كلامه وكلام مَن أرّخ له من معاصريه فمَن بعدهم حنينًا من المؤرّخ العظيم إلى تلمسان وأعلامها الذين هم مشائخه وأقرانه، وإلى معالمها التي هى مرابعه وأوطانه، ورسائل ترد عليه من أخيه ومن ملوك تلمسان بواسطته، فلم تنقطع صلته بتلمسان يومًا، ولو ساعده الدهر فيما نرى لَسقط به هواه على هذه المدينة المحبوبة سقوط الحائم على الماء، وفي اختياره لقلعة بني سلامة وانقطاعه بها تلك السنوات التي كتب فيها مقدمة التاريخ البديعة دليلٌ على هذا الميل، لأن تلمسان أقرب مدن افريقيا إلى قلعة بني سلامة.
هذه الجمل موجزة لبيان صلة خاصة من صلات المؤرّخ العظيم بمدينة من مدن قطره يغفلها مَن كتب عنه من كتّاب الشرق، وعذرهم في ذلك عدم عرفانهم بعظمة هذه المدينة في ذلك الوقت، وعسى أن ترشح القريحة ببعض أسباب هذه العظمة على صفحات "الشهاب" الأغرّ.

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 372
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست