responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 582
- قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَجْمُوْعِ الفَتَاوَى [1] وَقَد (سُئِلَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ الحَدِيْثِ المَرْوِيِّ فِي (الأَبْدَالِ) هَلْ هُوَ صَحِيْحٌ أَمْ مَقْطُوْعٌ؟ وَهَلِ (الأَبْدَالُ) مَخْصُوْصُوْنَ بِالشَّامِ؟ أَمْ حَيْثُ تَكُوْنُ شَعَائِرُ الإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَكُوْنُ بِهَا الأَبْدَالُ بِالشَّامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأَقَالِيْمِ؟ وَهَلْ صَحِيْحٌ أَنَّ الوَلِيَّ يَكُوْنُ قَاعِدًا فِي جَمَاعَةٍ وَيَغِيْبُ جَسَدُهُ؟ وَمَا قَوْلُ السَّادَةِ العُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الأَسْمَاءِ الَّتِيْ تَسَمَّى بِهَا أَقْوَامٌ مِنَ المَنْسُوْبِيْنَ إلَى الدِّيْنِ وَالفَضِيْلَةِ وَيَقُوْلُوْنَ: هَذَا غَوْثُ الأَغْوَاثِ، وَهَذَا قُطْبُ الأَقْطَابِ، وَهَذَا قُطْبُ العَالَمِ، وَهَذَا القُطْبُ الكَبِيْرُ، وَهَذَا خَاتَمُ الأَوْلِيَاءِ)؟
فَأَجَابَ:
(أَمَّا الأَسْمَاءُ الدَّائِرَةُ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيْرٍ مِنَ النُّسَّاكِ وَالعَامَّةِ مِثْلُ (الغَوْثِ) الَّذِيْ بِمَكَّةَ وَ (الأَوْتَادِ الأَرْبَعَةِ) وَ (الأَقْطَابِ السَّبْعَةِ) وَ (الأَبْدَالِ الأَرْبَعِيْنَ) وَ (النُّجَبَاءِ الثَّلَاثِمِائَةِ): فَهَذِهِ أَسْمَاءٌ لَيْسَتْ مَوْجُوْدَةً فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى؛ وَلَا هِيَ أَيْضًا مَأْثُورَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادِ صَحِيْحٍ وَلَا ضَعِيْفٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الأَبْدَالِ.
فَقَدْ رُوِيَ فِيْهِمْ حَدِيْثٌ شَامِيٌّ مُنْقَطِعُ الإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوْعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إنَّ فِيْهِمْ - يَعْنِي أَهْلَ الشَّامِ - الأَبْدَالَ الأَرْبَعِيْنَ رَجُلًا؛ كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ تَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلًا) وَلَا تُوْجَدُ هَذِهِ الأَسْمَاءُ فِي كَلَامِ السَّلَفِ كَمَا هِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ؛ وَلَا هِيَ مَأْثُوْرَةٌ عَلَى هَذَا التَّرْتِيْبِ وَالمَعَانِي عَنْ المَشَايِخِ المَقْبُوْلِيْنَ عِنْدَ الأُمَّةِ قَبُوْلًا عَامًّا، وَإِنَّمَا تُوْجَدُ عَلَى هَذِهِ الصُّوْرَةِ عَنْ بَعْضِ المُتَوَسِّطِيْنَ مِنَ المَشَايِخِ؛ وَقَدْ قَالَهَا إمَّا آثِرًا لَهَا عَنْ غَيْرِهِ أَوْ ذَاكِرًا.
وَهَذَا الجِنْسُ وَنَحْوُهُ مِنْ عِلْمِ الدِّيْنِ قَدْ التَبَسَ عِنْدَ أَكْثَرِ المُتَأَخِّرِيْنَ حَقُّهُ بِبَاطِلِهِ، فَصَارَ فِيْهِ مِنَ الحَقِّ مَا يُوْجِبُ قَبُوْلَهُ وَمِنْ البَاطِلِ مَا يُوْجِبُ رَدَّهُ، وَصَارَ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضٍ، قَوْمٌ كَذَّبُوا بِهِ كُلَّهُ لِمَا وَجَدُوا فِيْهِ مِنَ البَاطِلِ، وَقَوْمٌ صَدَّقُوا بِهِ كُلَّهُ لِمَا وَجَدُوا فِيْهِ مِنَ الحَقِّ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ التَّصْدِيْقُ بِالحَقِّ وَالتَّكْذِيْبُ بِالبَاطِلِ، وَهَذَا تَحْقِيْقٌ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ رُكُوْبِ هَذِهِ الأُمَّةِ سُنَنَ مَنْ قَبْلَهَا حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الكِتَابَيْنِ لَبَّسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَهَذَا هُوَ التَّبْدِيْلُ وَالتَّحْرِيْفُ الَّذِيْ وَقَعَ فِي دِيْنِهِمْ؛ .......
فَأَمَّا لَفْظُ (الغَوْثِ) وَ (الغِيَاثِ) فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا اللهُ؛ فَهُوَ غِيَاثُ المُسْتَغِيْثِيْنَ، فَلَا يَجُوْزُ لِأَحَدِ الِاسْتِغَاثَةُ بِغَيْرِهِ؛ لَا بِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَهْلَ الأَرْضِ يَرْفَعُوْنَ حَوَائِجَهُمْ - الَّتِيْ يَطْلُبُوْنَ بِهَا كَشْفَ الضُّرِّ عَنْهُمْ وَنُزُوْلَ الرَّحْمَةِ إلَى الثَّلَاثِمِائَةِ؛ وَالثَّلَاثمِائَة إلَى السَّبْعِيْنَ، وَالسَّبْعُونَ إلَى الأَرْبَعِيْنَ، وَالأَرْبَعُوْنَ إلَى السَّبْعَةِ، وَالسَّبْعَةُ إلَى الأَرْبَعَةِ، وَالأَرْبَعَةُ إلَى الغَوْثِ - فَهُوَ كَاذِبٌ ضَالٌّ مُشْرِكٌ، فَقَدْ كَانَ المُشْرِكُوْنَ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُوْنَ إِلَّا إيَّاهُ} (الإِسْرَاء:67)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيْبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ} (النَّمْل:62)، فَكَيْفَ يَكُوْنُ المُؤْمِنُوْنَ يَرْفَعُوْنَ إلَيْهِ حَوَائِجَهُمْ بَعْدَهُ بِوَسَائِطَ مِنَ الحِجَابِ؟! وَهُوَ القَائِلُ تَعَالَى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيْبٌ أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيْبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُوْنَ} (البَقَرَة:186) ...
وَقَدْ عَلِمَ المُسْلِمُوْنَ كُلُّهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَامَّةُ المُسْلِمِيْنَ وَلَا مَشَايِخُهُمُ المَعْرُوْفُوْنَ يَرْفَعُوْنَ إلَى اللهِ حَوَائِجَهُمْ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا بِهَذِهِ الوَسَائِطِ وَالحِجَابِ، فَتَعَالَى اللهُ عَنْ تَشْبِيْهِهِ بِالمَخْلُوْقِيْنَ مِنَ المُلُوكِ وَسَائِرِ مَا يَقُوْلُهُ الظَّالِمُوْنَ عُلُوًّا كَبِيْرًا، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ دَعْوَى الرَّافِضَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ إمَامٍ مَعْصُوْمٍ يَكُوْنُ حُجَّةَ اللهِ عَلَى المُكَلَّفِيْنَ؛ لَا يَتِمُّ الإِيْمَانُ إِلَّا بِهِ! ثُمَّ مَعَ هَذَا يَقُوْلُوْنَ إنَّهُ كَانَ صَبِيًّا دَخَلَ السِّرْدَابَ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ سَنَة؛ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا يُدْرَكُ لَهُ حِسٌّ وَلَا خَبَرٌ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ يَدَّعُوْنَ هَذِهِ المَرَاتِبَ فِيْهِمْ مُضَاهَاةٌ لِلرَّافِضَةِ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ ........
وَأَمَّا الأَوْتَادُ فَقَدْ يُوْجَدُ فِي كَلَامِ البَعْضِ أَنَّهُ يَقُوْلُ: فُلَانٌ مِنَ الأَوْتَادِ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُثَبِّتُ بِهِ الإِيْمَانَ وَالدِّيْنَ فِي قُلُوْبِ مَنْ يَهْدِيْهِمُ اللهُ بِهِ كَمَا يُثَبِّتُ الأَرْضَ بِأَوْتَادِهَا، وَهَذَا المَعْنَى ثَابِتٌ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ العُلَمَاءِ، فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ بِهِ تَثْبِيْتُ العِلْمِ وَالإِيْمَانِ فِي جُمْهُوْرِ النَّاسِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الأَوْتَادِ العَظِيْمَةِ وَالجِبَالِ الكَبِيْرَةِ .....
وَأَمَّا القُطْبُ فَيُوْجَدُ أَيْضًا فِي كَلَامِهِمْ: فُلَانٌ مِنَ الأَقْطَابِ! أَوْ فُلَانٌ قُطْبٌ! فَكُلُّ مَنْ دَارَ عَلَيْهِ أَمْرٌ مِنْ أُمُوْرِ الدِّيْنِ أَوِ الدُّنْيَا بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَهُوَ قُطْبُ ذَلِكَ الأَمْرِ وَمَدَارُهُ؛ سَوَاءٌ كَانَ الدَّائِرُ عَلَيْهِ أَمْرَ دَارِهِ أَوْ دَرْبِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ أَوْ مَدِيْنَتِهِ؛ أَمْرَ دِيْنِهَا أَوْ دُنْيَاهَا؛ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا، وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا المَعْنَى بِسَبْعَةٍ وَلَا أَقَلَّ وَلَا أَكْثَرَ؛ لَكِنَّ المَمْدُوْحَ مِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ مَدَارًا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ دُوْنَ مُجَرَّدِ صَلَاحِ الدُّنْيَا؛ فَهَذَا هُوَ القُطْبُ فِي عُرْفِهِمْ، فَقَدْ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِ الأَعْصَارِ أَنْ يَكُوْنَ شَخْصٌ أَفْضَلَ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَقَدْ يَتَّفِقُ فِي عَصْرٍ آخَرَ أَنْ يَتَكَافَأَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الفَضْلِ عِنْدَ اللهِ سَوَاءٌ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ فِي كُلِّ زَمَانٍ شَخْصٌ وَاحِدٌ هُوَ أَفْضَلُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ مُطْلَقًا.
وَكَذَلِكَ لَفْظُ (البَدَلِ) جَاءَ فِي كَلَامِ كَثِيْرٍ مِنْهُمْ، فَأَمَّا الحَدِيْثُ المَرْفُوْعُ؛ فَالأَشْبَهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ الإِيْمَانَ كَانَ بِالحِجَازِ وَبِاليَمَنِ قَبْلَ فُتُوْحِ الشَّامِ وَكَانَتِ الشَّامُ وَالعِرَاقُ دَارَ كُفْرٍ .........
وَاَلَّذِيْنَ تَكَلَّمُوا بِاسْمِ البَدَلِ فَسَّرُوْهُ بِمَعَانٍ مِنْهَا: أَنَّهُمْ أَبْدَالُ الأَنْبِيَاءِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ كُلَّمَا مَاتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ تَعَالَى مَكَانَهُ رَجُلًا، وَمِنْهَا أَنَّهُمْ أُبْدِلُوا السَّيِّئَاتِ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَعَقَائِدِهِمْ بِحَسَنَاتِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا لَا تَخْتَصُّ بِأَرْبَعِيْنَ وَلَا بِأَقَلَّ وَلَا بِأَكْثَرَ، وَلَا تُحْصَرُ بِأَهْلِ بُقْعَةٍ مِنَ الأَرْضِ؛ وَبِهَذَا التَّحْرِيْرِ يَظْهَرُ المَعْنَى فِي اسْمِ (النُّجَبَاءِ).
فَالغَرَضُ أَنَّ هَذِهِ الأَسْمَاءَ تَارَةً تُفَسَّرُ بِمَعَانٍ بَاطِلَةٍ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ مِثْلِ تَفْسِيْرِ بَعْضِهِمْ (الغَوْثَ) هُوَ الَّذِيْ يُغِيْثُ اللهُ بِهِ أَهْلَ الأَرْضِ فِي رِزْقِهِمْ وَنَصْرِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذَا نَظِيْرُ مَا تَقُوْلُهُ النَّصَارَى .........
وَكَذَلِكَ مَنْ فَسَّرَ (الأَرْبَعِيْنَ الأَبْدَالَ) بِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يُنْصَرُوْنَ وَيُرْزَقُوْنَ بِهِمْ فَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ بَلْ النَّصْرُ وَالرِّزْقُ يَحْصُلُ بِأَسْبَابِ مِنْ آكَدِهَا دُعَاءُ المُؤْمِنِيْنَ وَصِلَاتُهُمْ وَإِخْلَاصُهُمْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ لَا بِأَرْبَعِيْنَ وَلَا بِأَقَلَّ وَلَا بِأَكْثَرَ .......
وَلَيْسَ فِي أَوْلِيَاءِ اللهِ المُتَّقِيْنَ؛ وَلَا عُبَّادِ اللهِ المُخْلِصِيْنَ الصَّالِحِيْنَ وَلَا أَنْبِيَائِهِ المُرْسَلِيْنَ؛ مَنْ كَانَ غَائِبَ الجَسَدِ دَائِمًا عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ، بَلْ هَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ القَائِلِيْنَ: إنَّ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ! وَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الحَنَفِيَّةِ فِي جِبَالِ رضوى! وَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الحَسَنِ بِسِرْدَابٍ سَامِرِيٍّ! وَإِنَّ الحَاكِمَ بِجَبَلِ مِصْرَ! وَإِنَّ الأَبْدَالَ الأَرْبَعِيْنَ - رِجَالَ الغَيْبِ - بِجَبَلِ لُبْنَانَ!! فَكُلُّ هَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ وَالبُهْتَانِ.
نَعَمْ؛ قَدْ تُخْرَقُ العَادَةُ فِي حَقِّ الشَّخْصِ فَيَغِيْبُ تَارَةً عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ إمَّا لِدَفْعِ عَدُوٍّ عَنْهُ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَنَّهُ يَكُوْنُ هَكَذَا طُوْلَ عُمْرِهِ فَبَاطِلٌ .....
وَكَذَا لَفْظُ (خَاتَمِ الأَوْلِيَاءِ) لَفْظٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ؛ الحَكِيْمُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ انْتَحَلَهُ طَائِفَةٌ كُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ خَاتَمُ الأَوْلِيَاءِ؛ كَابْنِ حَموية وَابْنِ عَرَبِيٍّ وَبَعْضِ الشُّيُوْخِ الضَّالِّيْنَ بِدِمَشْقَ وَغَيْرِهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ؛ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالبُهْتَانِ، وَكُلُّ ذَلِكَ طَمَعًا فِي رِيَاسَةِ خَاتَمِ الأَوْلِيَاءِ لَمَّا فَاتَتْهُمْ رِيَاسَةُ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَلِطُوا [2]؛ فَإِنَّ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ إنَّمَا كَانَ أَفْضَلَهُمْ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ خَاتَمُ الأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّ أَفْضَلَ أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الأُمَّةُ السَّابِقُوْنَ الأَوَّلُوْنَ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، وَخَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَخَيْرُ قُرُوْنِهَا القَرْنُ الَّذِيْ بُعِثَ فِيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُمْ ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلُوْنَهُمْ، وَخَاتَمُ الأَوْلِيَاءِ فِي الحَقِيْقَةِ آخِرُ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ يَكُوْنُ فِي النَّاسِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَيْرِ الأَوْلِيَاءِ وَلَا أَفْضَلِهِمْ؛ بَلْ خَيْرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ثُمَّ عُمَرُ؛ اللَّذَانِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّيْنَ وَالمُرْسَلِيْنَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا).

[1] مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى (433/ 11) بِحَذْفٍ يَسِيْرٍ دَرْءًا لِلإِطَالَةِ.
[2] وَتَأَمَّلْ عَجَبًا مَا نَقَلَهُ المُنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَيْضُ القَدِيْرِ) (170/ 3) - عِنْدَ شَرْحِ حَدِيْثِ (الأَبْدَالُ مِنَ المَوَالِي) وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا -: ((خَاتِمَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَبِي: (الأَوْتَادُ - الَّذِيْنَ يَحْفَظُ اللهُ بِهِمُ العَالَمَ - أَرْبَعَةٌ فَقَط، وَهُم أَخَصُّ مِنَ الأَبْدَالِ، وَالإِمَامَانِ أَخَصُّ مِنْهُم، وَالقُطْبُ أَخَصُّ الجَمَاعَةِ، وَالأَبْدَالُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلِقُوْنَهُ عَلَى مَنْ تَبَدَّلَتْ أَوْصَافُهُ المَذْمُوْمَةُ بِمَحْمُوْدَةٍ، وَيُطْلِقُوْنِهُ عَلَى عَدَدٍ خَاصٍّ وَهُمْ أَرْبَعُوْنَ، وَقِيْلَ: ثَلَاثُوْنَ، وَقِيْلَ: سَبْعَةٌ، وَلِكُلِّ وَتَدٍ مِنَ الأَوْتَادِ الأَرْبَعَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ البَيْتِ، وَيَكُوْنُ عَلَى قَلْبِ عِيْسَى؛ لَهُ اليَمَانِيُّ - وَالَّذِيْ عَلَى قَلْبِ نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ -، فَالَّذِيْ عَلَى قَلْبِ آدَمَ لَهُ الرُّكْنُ الشَّامِيُّ، وَالَّذِيْ عَلَى قَلْبِ إِبْرَاهِيْمَ لَهُ العِرَاقِيُّ، وَالَّذِيْ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ لَهُ رُكْنُ الحَجَرِ الأَسْوَدِ؛ وَهُوَ لَنَا بِحَمْدِ اللهِ))!!
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 582
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست