responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 471
- المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إِذَا كَانَ العَبْدُ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى وَكَتَبَ ذَلِكَ عِنْدَهُ؛ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ فَلِمَاذَا العَمَلُ؟
الجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ:
1) أَنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ رُبُوْبِيَّتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى عَظَمَتِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ بِعَمَلِ العَبْدِ، فَاللهُ تَعَالَى عَلِمَ مَا سَيَكُوْنُ وَكَتَبَ عِنْدَهُ، وَأَمَّا جَزَاؤُهُ فَمُتَعَلِّقٌ بِعَمَلِ العَبْدِ، وَهَذَا عِلْمٌ آخَرُ غَيْرُ العِلْمِ الأَوَّلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِيْنَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِيْنَ} (آل عِمْرَان:142)، فَالعَبْدُ مَأْمُوْرٌ بِالعَمَلِ لِتَكُوْنَ لَهُ حُجَّتُهُ عِنْدَ رَبِّهِ.
2) أَنَّ العَبْدَ - وَإِنْ كَانَ مَكْتُوْبًا اسْمُهُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ أَوِ السَّعَادَةِ - فَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ الفَرِيْقَيْنِ، وَلَكِنَّ عَمَلَهُ يَكُوْنُ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ، كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: (جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ؛ قَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ بَيِّنْ لَنَا دِيْنَنَا؛ كَأَنَّا خُلِقْنَا الآنَ، فِيْمَ العَمَلُ اليَوْمَ، أَفِيْمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ المَقَادِيْرُ أَمْ فِيْمَا نَسْتَقْبِلُ؟ قَالَ: (لَا؛ بَلْ فِيْمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ المَقَادِيْرُ). قَالَ: فَفِيمَ العَمَلُ؟ قَالَ: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ)) [1]، فَعَمَلُ العَبْدِ هُوَ الشَّاهِدُ لَهُ.
وَفي الصَّحِيْحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوْعًا ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوْسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيْدَةً)، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؛ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيْرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيْرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: (أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُوْنَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُوْنَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ) ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى؛ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى} الآيَةَ (اللَّيْل:7)). (2)
فَتَأَمَّلْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ - كَمَا فِي الآيَةِ الكَرِيْمَةِ - أَنَّ مَنْ بَادَرَ بِالطَّاعَةِ وَالتَّصْدِيْقِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سَيُيَسِّرُهُ لِلحُسْنَى الَّتِيْ هِيَ الجَنَّةُ، واَلعَكْسُ بِالعَكْسِ. (3)
قَالَ ابْنُ بَطَّال رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِ البُخَاريِّ ([4]):
(وَقَوْلُهُ (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ): فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِ أَهْلِ الجَبْرِ؛ لِأَنَّ التَّيْسِيْرَ غَيْرُ الجَبْرِ، وَاليُسْرَى: العَمَلُ بِالطَّاعَةِ، وَالعُسْرَى: العَمَلُ بِالمَعْصِيَةِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ - فِي حَدِيْثِ عَليٍّ -:إِنَّ اللهَ لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِمَنْ يُطِيْعُهُ فَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ، وَبِمَنْ يَعْصِيْهِ فَيُدْخِلُهُ النَّارَ، وَلَمْ يَكُنِ اسْتِحْقَاقُ مِنْ يَسْتَحِقُّ الجَنَّةَ مِنْهُم بِعِلْمِهِ السَّابِقِ فِيْهِم؛ وَلَا اسْتِحْقَاقِهِ النَّارَ لِعِلْمِهِ السَّابِقِ فِيْهِم، وَلَا اضْطَرَّ أَحَدًا مِنْهُم عِلْمُهُ السَّابِقُ إِلَى طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى نَفَذَ عِلْمُهُ فِيْهِم قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُم وَمَا هُمْ عَامِلُوْنَ وَإِلى مَا هُمْ صَائِرُوْنَ، إِذْ كَانَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُم، وَلَا بَعْدَ مَا خَلَقَهُم، وَلِذَلِكَ وَصَفَ أَهْلَ الجَنَّةِ فَقَالَ: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِيْنَ وَقَلِيْلٌ مِّنَ الآخِرِيْنَ} (الوَاقِعَة:14)، إِلَى قَوْلِهِ {وَحُوْرٌ عِيْنٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُوْنِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُوْنَ} (الوَاقِعَة:24)، وقَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُوْنَ} (السَّجْدَة:17).
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي أَهْلِ النَّارِ: {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيْهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُوْنَ} (فُصِّلت:28)، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَثَابَ أَهْلَ طَاعَتِهِ جَنَّتَهُ بِطَاعَتِهِ، وَجَازَى أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ النَّارَ بِمَعْصِيَتِهِم إِيَّاهُ، وَلَم يُخْبِرْنَا أنَّهُ أَدْخَلَ مَنْ أَدْخَلَ مِنْهُم النَّارَ وَالجَنَّةَ لِسَابِقِ عِلْمِهِ فِيْهِم، وَلَكِنَّهُ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَالجَنَّةِ وَأَنَّهُ يَعْمَلُ بِطَاعَتِهِ؛ وَفِي هَذَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ وَأَنَّهُ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا بِمَعْصِيَتِهِ؛ فَلِذَلِكَ أَمَرَ تَعَالَى وَنَهَى؛ لِيُطِيْعَهُ المُطِيْعُ مِنْهُم فَيَسْتَوْجِبَ بِطَاعَتِهِ الجَنَّةَ، وَيَسْتَحِقَّ العِقَابَ مِنْهُم بِمَعْصِيَتِهِ العَاصِي فَيَدْخُلَ بِهَا النَّارَ، وَلِتَتِمَّ حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) إِنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا وُصِفَ مِنْ أَنَّ الَّذِيْ سَبَقَ لِأَهْلِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ لَمْ يَضْطَرَّ وَاحِدًا مِنَ الفَرِيْقَيْنِ إِلَى الَّذِيْ كَانَ يَعْمَلُ وَيُمَهِّدُ لِنَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيْلَ: هُوَ أَنَّ كُلَّ فَرِيْقٍ مِنْ هَذِينِ مُسَهَّلٌ لَهُ العَمَلُ الَّذِيْ اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ؛ مُزَيَّنٌ ذَلِكَ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيْمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوْبِكُمْ} (الحُجُرَات:7) الآيَةُ. (5)
وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاءِ، فَإِنَّهُ زَيَّنَ لَهُم سُوْءَ أَعْمَالِهِم لِإِيْثَارِهِم لَهَا عَلَى الهُدَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِيْنَ لَا يُؤْمِنُوْنَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُوْنَ} (النَّمْل:[4])، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوْءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} (فَاطِر:8)، وَهَذَا يُصَحِّحُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ عِلْمَ اللهِ النَّافِذَ فِي خَلْقِهِ بِمَا هُمْ بِهِ عَامِلُوْنَ؛ وَكِتَابَهُ الَّذِيْ كَتَبَهُ قَبْلَ خَلْقِهِ إِيَّاهُم بِأَعْمَالِهِم لَمْ يَضْطَرَّ أَحَدًا مِنْهُم إِلَى عَمَلِهِ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ أَنَّ المُضْطَرَّ إِلَى الشَّيْءِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ، لَا مُحِبَّ لَهُ؛ بَلْ هُوَ لَهُ كَارِهٌ وَمِنْهُ هَارِبٌ، وَالكَافِرُ يُقَاتِلُ دُوْنَ كُفْرِهِ أَهْلَ الإِيْمَانِ، وَالفَاسِقُ يُنَاصِبُ دُوْنَ فِسْقِهِ الأَبْرَارَ؛ مُحَامَاةً مِنْ هَذَا عَنْ كُفْرِهِ الَّذِيْ اخْتَارَهُ عَلَى الإِيْمَانِ، وَإِيْثَارًا مِنْ هَذَا لِفِسْقِهِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَكَذَلِكَ المُؤْمِنُ يَبْذُلُ مُهْجَتَهُ دُوْنَ إِيْمَانِهِ، وَيُؤْثِرُ العَنَاءَ وَالنَّصَبَ دُوْنَ مَلَاذِهِ وَشَهَوَاتِهِ حُبًّا لِمَا هُوَ لَهُ مُخْتَارٌ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ عَلَى مَعَاصِيْهِ، وَأَنَّى يَكُوْنُ مُضْطَرًّا إِلَى مَا يَعْمَلُهُ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَاتُهُ؟ فَبَانَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) هُوَ أَنَّ كُلَّ فرِيْقَي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ مُسَهَّلٌ لَهُ العَمْلُ الَّذِيْ اخْتَارَهُ؛ مُزَيَّنٌ ذَلِكَ لَهُ).

[1] مُسْلِمٌ (2548).
(2) البُخَارِيُّ (1362)، وَمُسْلِمٌ (2647).
(3) وَقَدْ سَأَلَ أَحَدُ إِخْوَانِنَا الشَّيْخَ حَمْدِي بْنَ عَبْدِ المَجِيْدِ السَّلَفِيَّ حَفِظَهُ اللهُ عَنْ أَحَدِ مَشَايْخِ السُّوْءِ الَّذِيْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا - مِنْ أَكَابِرِ مُجْرِمِيْهَا - أَنهُّ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ!! فَأَجَابَ الشَّيْخُ الفَاضِلُ بِقَوْلِهِ: (صَحِيْحٌ أَنِّي لَا أَعْرِفُ عَنْ فُلَانٍ - مِثْلَ مَا يَقُوْلُ ذَلِكَ الشَّيْخُ - أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ! وَلَكِنِّي أَعْرِفُ صِفَاتِ كُلِّ أَهْلِ الجَنَّةِ؛ وَلَيْسِ فَرْدًا وَاحِدًا).
[4] شَرْحُ البُخَارِيِّ (303/ 10).
(5) وَعَلَيْهِ تَكُوْنُ عَلَامَةُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ هِيَ أَنْ يُحِبَّ العَبْدُ مَا يُحِبُّ اللهُ تَعَالَى، وَأَنْ يَكْرَهَ العَبْدُ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ تَعَالَى، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِيْنَ لَا يُؤْمِنُوْنَ} (الأَنْعَام:125).
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 471
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست