responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 451
الشَّرْحُ
- سَبَبُ النَّهْي عَنْ سَبِّ الرِّيْحِ هُوَ أَنَّ مَسَبَّتَهَا مَسَبَّةٌ لِلآمِرِ لَهَا؛ وَهُوَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ حَيْثُ أَنَّهَا مَأْمُوْرَةٌ مِنْ قِبَلِهِ [1] - كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّهْي عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ - وَهَذَا قَدْحٌ فِي التَّوْحِيْدِ، وَفِي الحَدِيْثِ (إِنَّ رَجُلًا نَازَعَتْهُ الرِّيْحُ رِدَاءَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَنَهَا؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا مَأْمُوْرَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ)). (2)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسُبَّ الرِّيْحَ؛ فَإِنَّهَا خَلْقٌ للهِ مُطِيْعٌ وَجُنْدٌ مِنْ أَجْنَادِهِ يَجْعَلُهَا رَحْمَةً وَنَقْمَةً إِذَا شَاءَ). (3)
- إِنَّ الرِّيْحَ لَا تُسَبُّ وَلَا تُمْدَحُ، فَهِيَ لَا تُسَبُّ لِأَنَّهَا مَأْمُوْرَةٌ، وَأَيْضًا لَا تُمْدَحُ - أَيْ: مِنْ جِهَةِ نِسْبَةِ النِّعْمَةِ إِلَيْهَا، وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ عُمُوْمِ الإِخْبَارِ وَالوَصْفِ - لِأَنَّ فِي هَذَا تَنَقُّصًا لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وِإِسْنَادًا لِلأُمُوْرِ إِلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {يَعْرِفُوْنَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُوْنَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكَافِرُوْنَ} (النَّحْل:107) ذِكْرُ قَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ (هُوَ كَقَوْلِهِمْ: كَانَتِ الرِّيْحُ طَيِّبَةً، وَالمَلَّاحُ حَاذِقًا).
قُلْتُ: وَلَيْسَ مِنْ هَذَا وَصْفُ الرِّيْحِ بِمَا فِيْهَا مِنْ صِفَاتٍ - أَيْ: مِنْ جِهَةِ الشِّدَّةِ وَاللُّطْفِ وَالتَّدْمِيْرِ مَثَلًا - كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِيْ يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيْحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ المَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيْطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الشَّاكِرِيْنَ} (يُوْنُس:22)، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيْحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} (الحَاقَّة:6)، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ نَظِيْرِ ذَلِكَ فِي بَابِ (مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ). (4)
- قَوْلُهُ (مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيْحِ): الرِّيْحُ نَفْسُهَا فِيْهَا خَيْرٌ وَفِيْهَا شَرٌّ; فَقَدْ تَكُوْنُ عَاصِفَةً تَقْلَعُ الأَشْجَارَ، وَتَهْدِمُ الدِّيَارَ، وَتُفِيْضُ البِحَارَ وَالأَنْهَارِ، وَقَدْ تَكُوْنُ هَادِئَةً تُبْرِدُ الجَوَّ وَتُكْسِبُ النَّشَاطَ.
- قَوْلُهُ (وَخِيْرِ مَا فِيْهَا): أَيْ: مَا تَحْمِلُهُ; لِأَنَّهَا قَدْ تَحْمِلُ خَيْرًا; كَتَلْقِيْحِ النَّبَاتِ، وَقَدْ تَحْمِلُ رَائِحَةً طَيِّبَةَ الشَّمِّ، وَقَدْ تَحْمِلُ شَرًّا; كَإِزَالَةِ لِقَاحِ النَّبَاتِ، وَأَمْرَاضٍ تَضُرُّ الإِنْسَانَ وَالبَهَائِمَ. (5)
- قَوْلُهُ (وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ): أَيْ: مِنْ جِهَةِ عُمُوْمِ الأَمْرِ الرَّبَّانِيِّ لَهَا.

[1] وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {أَمَّنْ يَهْدِيْكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} (النَّمْل:63).
وَأَيْضًا قَوْلَهُ تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ الجَوَارِ فِي البَحْرِ كَالأَعْلَامِ، إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيْحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُوْرٍ} (الشُّوْرَى:33).
(2) صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (4908) عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (528).
(3) ذَكَرَهُ البَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالآثَارِ) (7250) بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيْثٍ مُنْقَطِعٍ - أَعَلَّهُ بِذَلِكَ المُنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَيْضُ القَدِيْرِ) (399/ 6) - وَفِيْهِ (شَكَا رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفَقْرَ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَلَّكَ تَسُبُّ الرِّيْحَ)).
(4) قُلْتُ: وَلَكِنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الدَّهْرِ وَالرِّيْحِ؛ هُوَ أَنَّ الرَّيْحَ عَبْدٌ مَأْمُوْرٌ مُطِيْعٌ للهِ تَعَالَى لَهُ اخْتِيَارٌ بِنَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ الطَّاعَةِ، أَمَّا الدَّهْرُ فَهُوَ ظَرْفٌ لِمَا يَحِلُّ فِيْهِ مِنَ الحَوَادِثِ، فَهُوَ مَعْنًى وَلَيْسَ عَيْنًا. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(5) قُلْتُ: فِي تَوْجِيْهِ الفَرْقِ بَيْنَ الجُمْلَةِ الأُوْلَى وَالثَّالِثَةِ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ -: أَنَّ الخَيْرَ فِي الجُمْلَةِ الأُوْلَى هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا تَقُوْمُ بِهِ الرِّيْحُ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا فِي الجُمْلَةُ الثَّالِثَةِ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ الخَيْرِ فِيْهَا مَآلًا.
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 451
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست