responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 351
4) ظَاهِرُ النُّصُوْصِ هُوَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهَا إِلَى الذّهْنِ مِنَ المَعَانِي: وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِحَسْبِ السِّيَاقِ وَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ الكَلَامُ، فَالكَلِمَةُ الوَاحِدَةُ يَكُوْنُ لَهَا مَعْنَىً فِي سِيَاقٍ، وَمَعْنَىً آخَرَ فِي سِيَاقٍ آخَرَ، وَتَرْكِيْبُ الكَلَامِ يُفِيْدُ مَعْنَىً عَلَى وَجْهٍ وَمَعْنَىً آخَرَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، فَلَفْظُ (القَرْيَةِ) مَثَلًا يُرَادُ بِهِ القَوْمُ تَارَةً، وَمَسَاكِنُ القَوْمِ تَارَةً أُخْرَى، فَمِنَ الأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيْدًا} (الإِسْرَاء:58)، وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى عَنِ المَلَائِكَةِ ضَيْفِ إِبْرَاهِيْم {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ القَرْيَة} (العَنْكَبُوْت:36).
وَتَقُوْلُ: صَنَعْتُ هَذَا بِيَدِي، فَلَا تَكُوْنُ اليَدُ كَاليَدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص:75)؛ لِأَنَّ اليَدَ فِي المِثَالِ أُضِيْفَتْ إِلَى المَخْلُوْقِ فَتَكُوْنُ مُنَاسِبَةً لَهُ، وَفِي الآيَةِ أُضِيْفَتْ إِلَى الخَالِقِ فَتَكُوْنُ لَائِقَةً بِهِ، فَلَا أَحَدَ - سَلِيْمَ الفِطْرَةِ؛ صَحِيْحَ العَقْلِ - يَعْتَقِدُ أَنَّ يَدَ الخَالِقِ كَيَدِ المَخْلُوْقِ أَوْ بِالعَكْسِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَظَاهِرُ نُصُوْصِ الصِّفَاتِ هُوَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهَا إِلَى الذّهْنِ مِنَ المَعَانِي.
وَهُنَا انْقَسَمَ النَّاسُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
القِسْمُ الأوَّلُ) هُمْ مَنْ جَعَلُوا الظَّاهِرَ المُتَبَادِرَ مِنْهَا مَعْنَىً حَقًّا يَلِيْقُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَبْقَوا دِلَالَتَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ السَّلَفُ الَّذِيْنَ اجْتَمَعُوا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَالَّذِيْنَ لَا يَصْدُقُ لَقَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ إِلَّا عَلَيْهِم - وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ - كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (التَّمْهِيْدُ) [1] فَقَالَ: (أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُوْنَ عَلَى الإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالإِيْمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الحَقِيْقَةِ لَا عَلَى المَجَازِ؛ إِلَّا أَنَّهُم لَا يُكَيِّفُوْنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحُدُّوْنَ فِيْهِ صِفَةً مَحْصُوْرَةً. وَأَمَّا أَهْلُ البِدَعِ وَالجَهْمِيَّةُ وَالمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالخَوَارِجُ فَكُلُّهُم يُنْكِرُها وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الحَقِيْقَةِ، وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّ مَنْ أقرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ، وَهُم عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا نَافُوْنَ لِلمَعْبُوْدِ. وَالحَقُّ فِيْمَا قَالَهُ القَائِلُوْنَ بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُوْلِهِ، وَهُمْ أَئِمَّةُ الجَمَاعَةِ. وَالحَمْدُ للهِ). (2)
القِسْمُ الثَّانِي) مَنْ جَعَلُوا الظَّاهِرَ المُتَبَادِرَ مِنْ نُصُوْصِ الصِّفَاتِ مَعْنَىً بَاطِلًا لَا يَلِيْقُ بِاللهِ وَهُوَ التَّشْبِيْهُ، وَأَبْقَوا دِلَالَتَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ المُشَبِّهَةُ، وَمَذْهَبُهُم بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ، وَيُخَالِفُ مَا فَهِمَهُ السَّلَفُ فيَكُوْنُ بَاطِلًا.
القِسْمُ الثَّالِثُ) مَنْ جَعَلُوا المَعْنَى المُتَبَادِرَ مِنْ نُصُوْصِ الصِّفَاتِ مَعْنَىً بَاطِلًا لَا يَلِيْقُ بِالله وَهُوَ التَّشْبِيْهُ، ثُمَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْكَرُوا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنَ المَعْنَى، فَهَؤُلَاءِ صَرَفُوا النُّصُوْصَ عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَى مَعَانٍ عَيَّنُوْهَا بِعُقُوْلِهِم، وَاضْطَرَبُوا فِي تَعْيِيْنِهَا اضْطِرَابًا كَثِيْرًا، وَسَمَّوا ذَلِكَ تَأْوِيْلًا - وَهُوَ فِي الحَقِيْقَةِ تَحْرِيْفٌ - وَمَذْهَبُهُم بَاطِلٌ مِنْ وُجُوْهٍ:
أ) أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى النُّصُوْصِ حَيْثُ جَعَلُوْهَا دَالَّةً عَلَى مَعْنَىً بَاطِلٍ غَيْرِ لَائِقٍ بِاللهِ وَلَا مُرَادٍ لَهُ.
ب) أَنَّهُ صَرْفٌ لِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَاللهُ تَعَالَى خَاطَبَ النَّاسَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيْنٍ؛ لِيَعْقِلُوا الكَلَامَ وَيَفْهَمُوْهُ عَلَى مَا يَقْتَضِيْهِ هَذَا اللِّسَانُ العَرَبِيُّ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَهُم بِأَفْصِحِ لِسَانِ البَشَرِ؛ فَوَجَبَ حَمْلُ كَلَامِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ المَفْهُوْمِ بِذَلِكَ اللِّسَانِ العَرَبِيِّ؛ غَيْرَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُصَانَ عَنِ التَّكْيِيْفِ وَالتَّمْثِيْلِ فِي حَقِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
جـ) أَنَّ صَرْفَ كَلَامِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى مَعْنَىً يُخَالِفُهُ؛ قَوْلٌ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُوْلُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُوْنَ} (الأَعْرَاف:3).
فَالصَّارِفُ لِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُوْلِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى مَعْنَىً يُخَالِفُهُ قَدْ قَفَا مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، وَقَالَ عَلَى اللهِ مَا لَا يَعْلَمُ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الأَوَّلُ) أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ المُرَادُ بِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُوْلِهِ كَذَا - مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الكَلَامِ -.
الثَّانِي) أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ المُرَادَ بِهِ كَذَا - لِمَعْنَىً آخَرَ - لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الكَلَامِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ تَعَالَى لِإِبْلِيْسَ {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (ص:75)، فَإِذَا صَرَفَ الكَلَامَ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ وَقَالَ: لَمْ يُرِدْ بِاليَدَيْنِ اليَدَيْنِ الحَقِيْقِيَّتَيْنِ! وَإِنَّمَا أَرَادَ كَذَا وَكَذَا! قُلْنَا لَهُ: مَا دَلِيْلُكَ عَلَى مَا نَفَيْتَ؟ وَمَا دَلِيْلُكَ عَلَى مَا أَثْبَتَّ؟ فَإنْ أَتَى بِدَلِيْلٍ - وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ -، وَإِلَّا كَانَ قَائِلًا عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ.
د) أَنَّ صَرْفَ نُصُوْصِ الصِّفَاتِ عَنْ ظَاهِرِهَا مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَسَلَفُ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا؛ فيَكُوْنُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الحَقَّ - بِلَا رَيْبٍ - فِيْمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَسَلَفُ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا.

[1] التَّمْهِيْدُ (145/ 7).
(2) قُلْتُ: وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (407/ 13): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُوْنُس بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: للهِ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ لَا يَسَعُ أَحَدًا رَدُّهَا، وَمَنْ خَالَفَ بَعْدَ ثُبُوْتِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدَ كَفَرَ، وَأَمَّا قَبْلَ قِيَامِ الحُجَّةِ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ بِالجَهْلِ، لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرِكُ بِالعَقْلِ وَلَا الرُّؤْيَةِ وَالفِكْرِ، فَنُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَنْفِي عَنْهُ التَّشْبِيْهَ كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}).
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 351
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست