responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 283
- قَوْلُهُ تَعَالَى {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ}: تَهْدِيْدٌ وَوَعِيْدٌ وَذَمٌّ لِمَنْ قَدَّمَ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى؛ فَكَيْفَ بِمَنْ قَدَّمَ أَحَدَهَا فَقَط.
وَفِيْهِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ لَا يَكُوْنُ كَافِرًا خَارِجًا مِنَ المِلَّةِ كَحَالِ أَصْحَابِ القِسْمِ الأَوَّلِ (أَصْحَابِ مَحَبَّةِ العُبوْدِيَّةِ)، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيْثُ البُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا؛ وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ). فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ - وَاللَّهِ - لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الآنَ يَا عُمَرُ)). [1] (2)
- قَوْلُهُ (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ): فِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَدْ فَاتَهُ الكَمَالُ الوَاجِبُ - الَّذِيْ يَأْثَمُ تَارِكُهُ -.
وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الكَمَالِ المُسْتَحَبِّ - الَّذِيْ مَنْ فَاتَهُ؛ فَإِنَّه لَا يَأْثَمُ صَاحِبُهُ -، وَإِنَّ جَمِيْعَ المَعَاصِي نَاشِئَةٌ عَنْ تَقْدِيْمِ هَوَى النَّفْسِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (3)
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ [4]: (فَمَنْ قَالَ: إنَّ المَنْفِيَّ هُوَ الكَمَالُ؛ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ الوَاجِبِ - الَّذِيْ يُذَمُّ تَارِكُهُ وَيَتَعَرَّضُ لِلْعُقُوْبَةِ -؛ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ المُسْتَحَبِّ؛ فَهَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فِي كَلَامِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ، وَلَا يَجُوْزُ أَنْ يَقَعَ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ الوَاجِبَ كَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ وَاجِبِهِ شَيْئًا؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: مَا فَعَلَهُ لَا حَقِيْقَةً وَلَا مَجَازًا). (5)

[1] البُخَارِيُّ (6632).
(2) وَلَا يَخْفَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ بِإِسْلَامٍ صَحِيْحٍ قَبِلَهُ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَلَى حَالٍ فَاتَهُ فِيْهِ الكَمَالُ الوَاجِبُ، فَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الآنَ يَا عُمَرُ).
وَتَأَمَّلْ أَيْضًا حَدِيْثَ أَنَسٍ فِي هَذَا البَابِ حَيْثُ جُعِلَ مَنْ أَتَى بِالثَّلَاثِ المَذْكُوْرَةِ وَاجِدًا لِحَلَاوَةِ الإِيْمَانِ؛ وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الإِيْمَانِ.
وَقَرِيْبٌ مِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ المُسْلِمِيْنَ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِيْنَ قِيْلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيْمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيْقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيْبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيْلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُوْنَ فَتِيْلًا} (النِّسَاء:77)، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِذَا فَرِيْقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} وَلَمْ يَكُوْنُوا فِي تِلْكَ الحَالِ كُفَّارًا بَلْ كَانُوا مُسْلِمِيْنَ قَدْ فَاتَهُمُ الكَمَالُ الوَاجِبُ. وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي البَابِ التَّالِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
(3) كَمَا سَبَقَ عَنِ ابْنِ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي الجَامِعِ.
[4] مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى (15/ 7).
(5) وَفِي البُخَارِيِّ (13) وَمُسْلِمِ (45) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مَرْفُوْعًا (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (302) - عِنْدَ شَرْحِ حَدِيْثِ رَقَم (13) -: (فَإِنَّ الإِيْمَانَ كَثِيْرًا مَا يُنْفَى لِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَرْكَانِهِ وَوَاجِبَاتِهِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَزْنِي الزَّانِي - حِيْنَ يَزْنِي - وَهُوَ مُؤْمِنٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلِهِ (وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ الَّذِيْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بِوَائِقَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَقَالَ ابْنُ دَقِيْقٍ العِيْد رَحِمَهُ اللهُ - عِنْدَ شَرْحِ نَفْسِ الحَدِيْثِ أَيْضًا مِنَ الأَرْبَعِيْنَ النَّوَوِيَّةِ - (ص63): (قَالَ العُلَمَاءُ: يَعْنِي لَا يُؤْمِنُ - مِنَ الإِيْمَانِ التَّامِّ -، وَإلَّا فَأَصْلُ الإِيْمَانِ يَحْصَلُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ).
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 283
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست