responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 147
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ) ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ النَّهْيَ فِي قَوْلِهِ (لَا تُطْرُوْنِيْ كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ) أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مِثْلِ إِطْرَاءِ النَّصَارى لِعِيْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَط، يَعْنِي: لَا تُطْرُوْنِي بِمِثْلِ مَا أَطْرَتِ النَّصَارى ابْنَ مَرْيَم، فَيَكُوْنُ المَنْهيُّ عَنْهُ هُوَ - فَقَط - أَنْ يُدَّعَى أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنٌ للهِ تَعَالَى [1]، فَالنَّهْيُ عَنِ الإِطْرَاءِ لَيْسَ عَلَى عُمُوْمِهِ!
وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:
1) أَنَّ الكَافَ هُنَا فِيْ قَوْلِهِ (كَمَا) هِيَ كَافُ التَّشْبِيْهِ (القِيَاسِ)، وَالفَرْقُ بَيْنَ التَّمْثِيْلِ وَالتَّشْبيْهِ: أنَّ التَّمْثِيْلَ يَعْنِي المُطَابَقَةَ، بَيْنَمَا التَّشْبِيْهَ يَعْنِي الاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الشَّيْءِ - كَالعِلَّةِ فِي الحُكْمِ -، فَيَكُوْنُ المَنْهيُّ عَنْهُ هُوَ أَصْلُ الإِطْرَاءِ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ سِيَاقُ الحَدِيْثِ؛ فَقَد أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُوْلُوا: (عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ)، وَهَذَا هُوَ المَآلُ مِنَ النَّهْيِّ عَنِ الإِطْرَاءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ النَّهْيُ هُوَ عَنْ ادِّعَاءِ أَنَّهُ ابْنٌ للهِ تَعَالَى فَقَط - وَالَّذِيْ يَنْبَنِي عَلِيْهِ جَوَازُ ادِّعَاءِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ مِنْ شِرْكِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِلَّذِيْنَ لَا يُؤْمِنُوْنَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمُ} (النَّحْل:60). [2] (3)
وَلَا يَخْفَى إِنْ شَاءَ اللهُ أنَّ أَنْوَاعَ الشِّرْكِ كَثِيْرْةٌ وَلَيْسَتْ مَحْصُوْرَةً فَقَط بِشِرْكِ النَّصَارى بِاتِّخَاذِ الوَلَدِ، بَلْ إِنَّ أَصْلَ شِرْكِ المُشْرِكِيْنَ هُوَ ادِّعَاءُ أَنَّ للهِ تَعَالَى شُفَعَاءَ مِنَ الصَّالِحِيْنَ يَشْفَعُوْنَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَهُم وَبِغَيْرِ رِضَاهُ عَنِ المَشْفُوعِ فِيْهِم.
قَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ [4]: (وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيْحِ الحَدِيْثِ: (لَا تُطْرُوْنِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عَيْسَى بْنَ مَرْيَمَ، وَقُوْلُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ) فَمَعْنَاهُ: لَا تَصِفُوْنِي بِمَا لَيْسَ فِيَّ مِنَ الصِّفَاتِ تَلْتَمِسُوْنَ بِذَلِكَ مَدْحِي، كَمَا وَصَفَتِ النَّصَارَى عِيْسَى بِمَا لَمْ يَكُنْ فِيْهِ، فَنَسَبُوْهُ إِلَى أَنَّهُ ابْنُ اللهِ فَكَفَرُوا بِذَلِكَ وَضَلُّوا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ رَفَعَ امْرَأً فَوْقَ حَدِّهِ وَتَجَاوَزَ مِقْدَارَهُ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ فَمُعْتَدٍ آثِمٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ فِي أَحَدٍ لَكَانَ أَوْلَى الخَلْقِ بِذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
2) أنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُوْلُهُ) هُوَ مِنْ أَسَالِيْبِ اللُّغَةِ فِي الحَصْرِ، أَيْ: مَا هُوَ إِلَّا عَبْدٌ رَسُوْلٌ، وَجَاءَ هَذَا الحَصْرُ بَعْدَ فَاءِ التَّعْلِيْلِ لِبَيَانِ أَنَّ العِلَّةَ فِي عَدَمِ الإطْرَاءِ هُوَ لِكَوْنِهِ فَقَط عَبْدٌ رَسُوْلٌ، فَهُوَ عَبْدٌ لَا يُعبْدُ، وَرَسُوْلٌ لَا يُكَذَّبُ.
3) قَدْ دَلَّتِ النُّصُوْصُ الكَثِيْرَةُ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى النَّهْي عَنِ الغُلوِّ مُطْلَقًا وَعَنْ أَشْيَاءَ كَثِيْرْةٍ جَاءَتْ فِي سِيَاقِ المَدْحِ، وَلَكِنْ نُهِيَ عَنْهَا خَوْفًا مِمَّا تَكُوْنُ ذَرِيْعَةً إِلَيْهِ. وَانْظُرِ الأَحَادِيْثَ الآتِيَةَ عَلَى سَبِيْلِ المِثَالِ:
أ) عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا وَيَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُوْلُوا بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَرَسُوْلُ اللهِ. وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَا رَفَعَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ). (5)
ب) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ؛ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِى وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا. فَقَالَ: (السَّيِّدُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى). قُلْنَا: وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طَوْلًا. فَقَالَ: (قُوْلُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ؛ وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ). [6] (7)
ج) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا خَيْرَ البَرِيَّةِ. فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ذَاكَ إِبْرَاهِيْمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. (8)
وَأَخِيْرًا فَلْيُعْلَمْ أنَّ تَعْظِيْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ المَشْرُوْعِ نَوْعَان:
الأَوَّلُ: كُفْرٌ؛ وَهُوَ مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِاللهِ تَعَالَى؛ كَدُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالاسْتِغَاثَةِ بِهِ فِي الشَّدَائِدِ.
الثَّانِيْ: مَعْصِيَةٌ وَذَرِيْعَةٌ إِلَى الشِّرْكِ؛ كَالكَذِبِ عَلَيْهِ فِي صِفَاتِهِ، وَاخْتِرَاعِ الآيَاتِ وَالمُعْجِزَاتِ غَيْرِ المَرْويَّةِ بِالأَسَانِيْدِ الصَّحِيْحَةِ.

[1] كَمَا قَالَ قَائِلُهُم البُوْصِيْرِيُّ فِي قَصِيْدَةِ البُرْدَةِ: (دَعْ مَا ادَّعَتْهُ النَّصَارى فِي نَبِيِّهِم ... وَاحْكُمْ بِمَا شِئْتَ مَدْحًا فِيْهِ وَاحْتَكِم).
[2] وَتَقْدِيْمُ الجَارِّ وَالمَجْرُوْرِ فِي قَوْلِهِ {وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى} يُفِيْدُ الحَصَرَ.
(3) كَمَا قَالَ البُوْصِيْرِيُّ فِي البُرْدَةِ:
(يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوْذُ بِهِ ... سِوَاكَ عِنْدَ حُلُوْلِ الحَادِثِ العَمَمِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَعَادِي آخِذًا بِيَدِي ... فَضْلًا وَإِلَّا فَقُلْ يَا زَلَّةَ القَدَمِ
فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَهَا ... وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمُ اللوْحِ وَالقَلَمِ).
[4] تَفْسِيْرُ القُرْطُبِيِّ (247/ 5).
(5) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (13529)، وَالنَّسَائِيُّ فِي الكُبْرَى (10007). غَايَةُ المَرَامِ (127).
[6] صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (4806). صَحِيْحُ أَبِي دَاوُدَ (4806).
(7) أَيْ: لَا يَتَّخِذَنَّكُم الشَّيْطَانُ جَرِيًّا لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الأثير رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (النِّهَايَةُ فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ وَالأَثَرِ) (739/ 1): (يُرِيْدُ: تَكَلَّمُوا بِمَا يَحْضُرُكُم مِنَ القَوْلِ، وَلَا تَتَكَلَّفُوْهُ كَأَنَّكُم وُكَلَاءُ الشَّيْطَانِ وَرُسُلُهُ تَنْطقُوْنَ عَنْ لِسَانِهِ).
(8) مُسْلِمٌ (2369).
نام کتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد نویسنده : نغوي، خلدون    جلد : 1  صفحه : 147
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست