responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 183
ثُمَّ بَعْدَهَا الصَّبَابَةُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْصِبَابِ الْقَلْبِ إِلَى الْمَحْبُوبِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
تَشَكَّى الْمُحِبُّونَ الصَّبَابَةَ لَيْتَنِي ... تَحَمَّلْتُ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَحْدِي
فَكَانَتْ لِقَلْبِي لَذَّةُ الْحُبِّ كُلُّهَا ... فَلَمْ يَلْقَهَا قَبْلِي مُحِبٌّ وَلَا بَعْدِي
ثُمَّ الْغَرَامُ، وَهُوَ لُزُومُ الْحُبِّ لِلْقَلْبِ لُزُومًا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْغَرِيمُ غَرِيمًا؛ لِمُلَازَمَتِهِ صَاحِبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 65] .
وَقَدْ أُولِعَ الْمُتَأَخِّرُونَ بِاسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْحُبِّ، وَقَلَّ أَنْ تَجِدَهُ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ.
ثُمَّ الْعِشْقُ وَهُوَ إِفْرَاطُ الْمَحَبَّةِ، وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَا يُطْلَقُ فِي حَقِّهِ.
ثُمَّ الشَّوْقُ وَهُوَ سَفَرُ الْقَلْبِ إِلَى الْمَحْبُوبِ أَحَثَّ السَّفَرِ، وَقَدْ جَاءَ إِطْلَاقُهُ فِي حَقِّ الرَّبِّ تَعَالَى كَمَا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعْوَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدْعُو بِهِنَّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي إِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَأَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.»
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: " «طَالَ شَوْقُ الْأَبْرَارِ إِلَى لِقَائِي، وَأَنَا إِلَى لِقَائِهِمْ أَشَدُّ شَوْقًا» ".
وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ» .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصَائِرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 5] .
لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ شِدَّةَ شَوْقِ أَوْلِيَائِهِ إِلَى لِقَائِهِ، وَأَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا تَهْتَدِي دُونَ لِقَائِهِ، ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا وَمَوْعِدًا لِلِقَائِهِ، وَتَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ بِهِ، وَأَطْيَبُ الْعَيْشِ وَأَلَذُّهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَيْشُ الْمُحِبِّينَ الْمُشْتَاقِينَ الْمُسْتَأْنِسِينَ، فَحَيَاتُهُمْ هِيَ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَلَا حَيَاةَ لِلْقَلْبِ

نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 183
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست