responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 181
مَنْعُ تَعَلُّقِ الْقُلُوبِ
الطَّرِيقُ الثَّانِي الْمَانِعُ مِنْ حُصُولِ تَعَلُّقِ الْقَلْبِ: اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِمَا يَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُقُوعِ فِيهِ، وَهُوَ إِمَّا خَوْفٌ مُقْلِقٌ أَوْ حُبٌّ مُزْعِجٌ، فَمَتَى خَلَا الْقَلْبُ مِنْ خَوْفِ مَا فَوَاتُهُ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ هَذَا الْمَحْبُوبِ، أَوْ خَوْفِ مَا حُصُولُهُ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ، أَوْ مَحَبَّتِهِ مَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ هَذَا الْمَحْبُوبِ، وَفَوَاتُهُ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ، لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ عِشْقِ الصُّوَرِ.
وَشَرْحُ هَذَا: أَنَّ النَّفْسَ لَا تَتْرُكُ مَحْبُوبًا إِلَّا لِمَحْبُوبٍ أَعْلَى مِنْهُ، أَوْ خَشْيَةَ مَكْرُوهٍ حُصُولُهُ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ، وَهَذَا يَحْتَاجُ صَاحِبُهُ إِلَى أَمْرَيْنِ إِنْ فَقَدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِنَفْسِهِ.
أَحَدُهُمَا: بَصِيرَةٌ صَحِيحَةٌ يُفَرِّقُ بِهَا بَيْنَ دَرَجَاتِ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ، فَيُؤْثِرُ أَعْلَى الْمَحْبُوبَيْنِ عَلَى أَدْنَاهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَدْنَى الْمَكْرُوهَيْنِ لِيَخْلُصَ مِنْ أَعْلَاهُمَا، وَهَذَا خَاصَّةُ الْعَقْلِ، وَلَا يُعَدُّ عَاقِلًا مَنْ كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ، بَلْ قَدْ تَكُونُ الْبَهَائِمُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُ.
الثَّانِي: قُوَّةُ عَزْمٍ وَصَبْرٍ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَكَثِيرًا مَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ قَدْرَ التَّفَاوُتِ، وَلَكِنْ يَأْبَى لَهُ ضَعْفُ نَفْسِهِ وَهَمَّتِهِ وَعَزِيمَتِهِ عَلَى أَشْيَاءَ لَا تَنْفَعُ مِنْ خِسَّتِهِ وَحِرْصِهِ وَوَضَاعَةِ نَفْسِهِ وَخِسَّةِ هِمَّتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِمَامَةَ الدِّينِ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، فَقَالَ تَعَالَى، وَبِقَوْلِهِ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ مِنْهُمْ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [سُورَةُ السَّجْدَةِ: 24] .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَضِدُّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ، فَالْأَوَّلُ يَمْشِي فِي نُورِهِ وَيَمْشِي النَّاسُ فِي نُورِهِ، وَالثَّانِي قَدْ طُفِئَ نُورُهُ، فَهُوَ يَمْشِي فِي الظُّلُمَاتِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي ظُلْمَتِهِ، وَالثَّالِثُ يَمْشِي فِي نُورِهِ وَحْدَهُ.

[فَصْلُ تَوْحِيدِ الْمَحْبُوبِ]
فَصْلُ
تَوْحِيدِ الْمَحْبُوبِ
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْقَلْبِ حُبُّ الْمَحْبُوبِ الْأَعْلَى وَعِشْقُ الصُّوَرِ أَبَدًا، بَلْ هُمَا ضِدَّانِ لَا يَتَلَاقَيَانِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَمَنْ كَانَتْ قُوَّةُ حُبِّهِ كُلُّهَا لِلْمَحْبُوبِ الْأَعْلَى الَّذِي مَحَبَّةُ مَا سِوَاهُ بَاطِلَةٌ وَعَذَابٌ عَلَى صَاحِبِهَا صَرَفَهُ ذَلِكَ عَنْ

نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 181
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست