responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 143
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ - وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [سُورَةُ يس: 60 - 61] .
وَلَمَّا عَبَدَ الْمُشْرِكُونَ الْمَلَائِكَةَ بِزَعْمِهِمْ وَقَعَتْ عِبَادَتُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلشَّيَاطِينِ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ - قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 40 - 41] .
فَالشَّيْطَانُ يَدْعُو الْمُشْرِكَ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَيُوهِمُهُمْ أَنَّهُ مَلَكٌ، وَكَذَلِكَ عُبَّادُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، وَهِيَ الَّتِي تُخَاطِبُهُمْ، وَتَقْضِي لَهُمُ الْحَوَائِجَ، وَلِهَذَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَارَنَهَا الشَّيْطَانُ، فَيَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، فَيَقَعُ سُجُودُهُمْ لَهُ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ عَبَدَ الْمَسِيحَ وَأُمَّهُ لَمْ يَعْبُدْهُمَا وَإِنَّمَا عَبَدَ الشَّيْطَانَ.
فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْبُدُ مَنْ أَمَرَهُ بِعِبَادَتِهِ وَعِبَادَةِ أُمِّهِ، وَرَضِيَهَا لَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِهَا، وَهَذَا هُوَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ، لَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَنَزَلَ هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ - وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} .
فَمَا عَبَدَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرَ اللَّهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ إِلَّا وَقَعَتْ عِبَادَتُهُ لِلشَّيْطَانِ، فَيَسْتَمْتِعُ الْعَابِدُ بِالْمَعْبُودِ فِي حُصُولِ غَرَضِهِ، وَيَسْتَمْتِعُ الْمَعْبُودُ بِالْعَابِدِ فِي تَعْظِيمِهِ لَهُ، وَإِشْرَاكِهِ مَعَ اللَّهِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ رِضَا الشَّيْطَانِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ} أَيْ: مِنْ إِغْوَائِهِمْ وَإِضْلَالِهِمْ {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 128] .
فَهَذِهِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى السِّرِّ الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ الشِّرْكُ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا يَغْفِرُهُ بِغَيْرِ التَّوْبَةِ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْخُلُودَ فِي الْعَذَابِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ تَحْرِيمُهُ وَقُبْحُهُ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ عَنْهُ، بَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَشْرَعَ لِعِبَادِهِ عِبَادَةَ إِلَهٍ غَيْرِهِ، كَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مَا يُنَاقِضُ أَوْصَافَ كَمَالِهِ، وَنُعُوتَ جَلَالِهِ، وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالْمُنْفَرِدِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَالْعَظْمَةِ وَالْإِجْلَالِ أَنْ يَأْذَنَ فِي مُشَارَكَتِهِ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَرْضَى بِهِ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 143
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست