responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 486
وإن كانت من عند البشر فهي عرضة للأهواء وعرضة للاختلاف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وتاريخ البشرية في جاهليتها هو الدليل، يستوي في ذلك أن يكون الجاهليون من الفلاسفة أو من عامة الناس!
ولقد كان هذا كله واضحا لأوروبا المسيحية في الفترة التي سيطر فيها الدين على قلوب الناس، بصرف النظر عما في ذلك الدين الكنسي من انحرافات، فقد سبق أن قلنا إن وجود الانحراف والتحريف فيه لم يمنع وجود بعض الحقائق؛ لأنهم كما يقول الله عنهم: {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} وبقي مما ذكروا به بعض أشياء.. وكانت القيم الخلقية من بعض هذه الأشياء.
ثم زحفت العلمانية شيئا فشيئا على الحياة الأوروبية فأقصت الدين عن الحياة بقدر ما تمكنت هي من الحياة.. ومع إقصاء الدين أقصيت الأخلاق؛ لأنها أصلا مستمدة من الدين.
وأول مجال أزيحت الأخلاق عنه هو مجال السياسة منذ قال مكيافيللي: إن الغاية تبرر الوسيلة، ومعناها بصريح العبارة إسقاط الأخلاق من مجال السياسة، وممارسة السياسة بلا أخلاق!
ثم أزيحت الأخلاق من المجال الاقتصادي منذ الثورة الصناعية بتحليل الربا، وتحليل الغش والخداع والكذب وسرقة أجر الأجير وشغل الناس بتوافه الأشياء من أجل الربح، وتحليل شن الحروب والاستعمار من أجل إيجاد أسواق لتصريف البضائع.. إلى آخر ما قامت به الرأسمالية من حيل غير شريفة للاستزادة من المال على حساب البشرية.
ثم أزيحت الأخلاق من مجال العلم، فلم يعد هدف العلم البحث عن الحقيقة المجردة -لله- إنما صارت تصاحبه المصالح والأهواء والشهوات التي أسلفنا نماذج منها في إبعاد اسم الله عمدا من البحث العلمي مع وضع بديل مزيف هو الطبيعة، لا لأن هذه حقيقة ولكن لأنها تخدم هدفا معينا في معركة معينة بين العلماء وبين الكنيسة! ومن نشر أبحاث كاذبة بقصد نشر الإلحاد. ومن استخدام ثمار العلم لإفساد الأخلاق.. وغير ذلك مما كان مستحيلا أن يحدث في ظل سيطرة الدين على مشاعر الناس ومن ثم التزامهم بأخلاقيات الدين.. ولكنه يحدث بسهولة في ظل العلمانية التي تفاخر بإقصاء الدين عن كل مجالات الحياة!
ثم أزيحت الأخلاق من مجال الفكر، فلم يعد يحس المفكر أنه ملتزم بأمانة

نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 486
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست