responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 409
فأما الكيان الثابت فمصدره الفطرة. وأما الصور المتغيرة فمصدرها التفاعل الدائم بين هذه الفطرة وبين الكون المادي، ومحاولة الإنسان الدائبة تحقيق التسخير الرباني لما في السموات والأرض من أجل الإنسان:
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [1].
والفطرة البشرية ذات مرونة تسمح لها بالتشكل المستمر، بما يناسب القدر الذي يتم تسخيره من طاقات السموات والأرض، ولكن هذه المرونة -وهي مزية ميز الله بها الإنسان ليعينه على دور الخلافة في الأرض- ليس معناها انعدام الشخصية الإنسانية، أو السلبية الكاملة، أو عدم وجود كيان محدد للإنسان، إنما معناه فقط عمق هذه الشخصية وسعتها وتعدد جوانبها، بحيث تستطيع أن تستوعب أشكالا متعددة من الحياة، وتبذل ألوانا متعددة من النشاط.
وحقيقة إن هذه المرونة تجعل الإنسان يحتمل كثيرا من الضغوط، ويتشكل تحتها بصور تخالف ما هو مفروض أن يكون عليه في حالته السوية، مما يغري الطغاة على طول التاريخ البشري أن يضغطوا على شعوبهم ويستعبدوهم، ولكن هذا ليس معناه عدم وجود حدود حاسمة للكيان البشري يقف عندها في تشكله أو في خضوعه للضغوط الواقعة عليه، فإنه في النهاية يثور ...
ومعنى ثورته أن احتماله للتشكل الخاطئ الذي فرض عليه بالضغط قد انتهى، وأنه يريد أن يصحح وضعه بما يناسب كيانه الطبيعي ... وسواء نجحت الثورة أو فشلت فدلالتها ثابتة في الحالين.. والنجاح والفشل مسألة ظروف مواتية أو غير مواتية، ومسألة إعداد وتنظيم أو فوضى وارتجال، أما الثورة فمعناها أن شيئا مخالفا لطبيعة الإنسان قد فرض عليه بالقوة وهو يريد أن يرده عنه ليعود إلى وضعه الطبيعي.
وفي التاريخ البشري ثورات كثيرة فاشلة وناجحة، هي محاولات دائمة لدفع ضغوط مفروضة وتصحيح أوضاع خاطئة.. وكل ثورة تحدث "شيئا ما" في حياة البشرية يغير خطاها إلى خط جديد ... ولكن تظل البشرية تتخبط ما دامت بعيدة عن المنهج الرباني، فتحل مشكلة بمشكلة جديدة، وتتخلص من ضغط لتقع في ضغط من نوع آخر، كما خرجت من الرق إلى الإقطاع، ومن الإقطاع

[1] سورة الجاثية: 13.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 409
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست