responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 392
وسياسياته، كتبه بالتعامل مع الكون المادي، ومع الأفكار والقيم، ومع الأحلام والرؤى، ومع الواقع والخيال, كتبه بدوافعه الداخلية وتطلعاته وطموحاته كما كتبه بالضغوط الواقعة عليه من خارج كيانه! ضغوط الكون المادي والضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية, كتبه بكل ذرة من كيانه، وكل سطر من سطور هذا التاريخ أو إنجاز من إنجازاته فهو صادر من كيان الإنسان كله، وهو أصيل في صدوره عن مجموع هذا الكيان لا عن جانب واحد من هذا الكيان.
يتعامل التفسير الإسلامي مع الإنسان على أنه قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله، مترابطين متماسكين متفاعلين، يتكون منهما معا كيان موحد: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [1].
هذا هو تكوين الإنسان: قبضة من طين الأرض, ونفخة من روح الله، امتزجتا امتزاجا كاملا وترابطتا وتفاعل كل منهما مع الآخر فأصبح من حصيلتهما ذلك الإنسان الذي نعرفه ونتعامل معه في واقع الحياة.
إنه ليس قبضة طين خالصة كما كان قبل النفخة العلوية فيه، وليس روحا خالصة طليقة من قبضة الطين، إنما هو الأمران معا في وحدة مترابطة تختلف في خصائصها اختلافا جذريا عن قبضة الطين الخالصة ونفخة الروح الخالصة، وإن كانت تحمل بين الحين والحين بعض المشابه من هذه وتلك، حين تجنح جنوحا شديدًا نحو عالم الجسد أو عالم الروح، ولكنها حتى في تلك الحالات لا تكون مماثلة أبدا لأي من العنصرين منفصلين.
في لحظة الشهوة الجامحة غير المنضبطة يكون أقرب إلى قبضة الطين؛ لأنه يتعامل بجسده أكثر من أي جانب من جوانبه، ومع ذلك لا يكون أبدا جسدا خالصا كالحيوان؛ لأن فيه -على الأقل- قدرا من الوعي والإرادة والاختيار حتى في هذا العمل اللاصق بالطين، بينما الحيوان لا يعمل بوعي ولا إرادة حرة ولا اختيار.
وفي لحظة الرفرفة الشفيفة المشرقة المهومة يكون أقرب إلى نفخة الروح؛ لأنه ينطلق بروحه من إطار الحس المحدود، ومع ذلك لا يكون أبدا روحا خالصة

[1] سورة ص: 71, 72.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 392
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست