responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 31
بالله! ولا يستطيع مهما كانت حرارة وجدانه أن يعقد صلة مباشرة بالله بعيدة عن سلطان الكاهن أو غير معرضة لتدخله في أي وقت من الأوقات!
فإذا كان هذا سلطان الشماس الصغير في القرية "الأبرشية" فما بالك بالأسقف وما بالك بالكردينال!؟
ثم ما بالك برئيس هؤلاء جميعا الذي يجلس على عرش البابوية هناك في مقر السلطان؟!
أو تعجب إذن إذا قيل لك إنه "قداسة" -البابا- وإنه المتحدث باسم الرب الإله في الأرض.. وإنه مقدس الذات ومقدس الكلمات؟!
ثم هل تعجب -من جهة أخرى- إذا رأيت رجال الدين قد طغوا في الأرض بغير الحق، وقد أوتوا على القلوب ذلك السلطان؟!
إن السلطان بطبيعته يطغى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} [1] ولا يحد من هذا الطغيان إلا تقوى الله وصدق الإيمان به: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [2].
فإذا فرغت القلوب من التقوى.. فما الذي يمنع الطغيان؟
ولقد كانت قلوب أكثرهم خالية من التقوى كما يشهد كتابهم ومؤرخوهم. عباد دنيا.. عباد مال ونساء وشهوات.. لذلك كان الدين بالنسبة إليهم حرفة يحترفونها، وسبيلا يلجونه ليوصلهم إلى المناصب ذات المكانة الرفيعة في المجتمع وذات السلطان.
ولذلك كان طغيانهم من أبشع ألوان الطغيان في التاريخ.. وكان حقا على أوروبا -حين تنورت- أن تخلع هذا السلطان الطاغي وتنسلخ منه، إحساسا بالكرامة وفرارا من الذل والهوان.. وإن كانت قد تحركت -في هذا الأمر وفي غيره- حركات هوجاء بعيدة عن المنطق والرشد، أخرجتها من ضلال إلى ضلال.
يصف تشارلس ديكنز في قصة المدينتين التي يتحدث فيها -بطريقة روائية- عن مقدمات الثورة الفرنسية والأحوال التي هيأت لقيامها، مشهدا من مشاهد

[1] سورة العلق: 6, 7.
[2] سورة الحج: 41.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست