responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 270
وَيَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التَّوْبَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [الْبَقَرَةِ: 222] وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ» وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وُجُوبُ التَّوْبَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَى الدَّوَامِ:
لَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْفَوْرِ لَا يُسْتَرَابُ فِيهِ، إِذْ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْمَعَاصِي مُهْلِكَاتٍ مِنْ نَفْسِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْعِلْمُ بِضَرَرِ الذُّنُوبِ إِنَّمَا أُرِيدَ لِيَكُونَ بَاعِثًا عَلَى تَرْكِهَا، فَمَنْ لَمْ يَتْرُكْهَا فَهُوَ فَاقِدٌ لِهَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَذَلِكَ لِكَوْنِ الزِّنَا مُبْعِدًا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مُوجِبًا لِلْمَقْتِ كَسَائِرِ الْمَعَاصِي لِأَنَّهَا لِلْإِيمَانِ كَالْمَأْكُولَاتِ الْمُضِرَّةِ لِلْأَبْدَانِ، فَكَمَا أَنَّهَا تُغَيِّرُ مِزَاجَ الْإِنْسَانِ وَلَا تَزَالُ تَجْتَمِعُ حَتَّى تُفْسِدَهُ فَيَمُوتَ دَفْعَةً، كَذَلِكَ تَعْمَلُ سُمُومُ الذُّنُوبِ بِرُوحِ الْإِيمَانِ عَمَلًا تَحِقُّ الْكَلِمَةُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنَ الْهَالِكِينَ.
وَأَمَّا وُجُوبُ التَّوْبَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَفِي كُلِّ حَالٍ فَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَشَرٍ فَلَا يَخْلُو عَنْ مَعْصِيَةٍ بِجَوَارِحِهِ، فَإِنْ خَلَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَنْ مَعْصِيَةِ الْجَوَارِحِ فَلَا يَخْلُو عَنِ الْهَمِّ بِالذُّنُوبِ بِالْقَلْبِ، فَإِنْ خَلَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَنِ الْهَمِّ فَلَا يَخْلُو عَنْ وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ بِإِيرَادِ الْخَوَاطِرِ الْمُذْهِلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنْ خَلَا عَنْهُ فَلَا يَخْلُو عَنْ غَفْلَةٍ وَقُصُورٍ فِي الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ نَقْصٌ وَلَهُ أَسْبَابٌ، وَتَرْكُ أَسْبَابِهِ بِالتَّشَاغُلِ بِضِدِّهَا رُجُوعٌ عَنْ طَرِيقٍ إِلَى ضِدِّهِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ الرُّجُوعُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْخُلُوُّ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ عَنْ هَذَا النَّقْصِ، وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُونَ بِالْمَقَادِيرِ، فَأَمَّا الْأَصْلُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً» الْحَدِيثَ، وَلِذَلِكَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ قَالَ: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) [الْفَتْحِ: 2] وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَهُ فَكَيْفَ حَالُ غَيْرِهِ.
وَإِنَّمَا أَطْلَقْنَا الْوُجُوبَ فِي كُلِّ حَالٍ، وَالتَّوْبَةُ عَنْ بَعْضِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْفَضَائِلِ لَا الْفَرَائِضِ لِأَنَّا نَعْنِي بِالْوَاجِبِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْوُصُولِ بِهِ إِلَى الْقُرْبِ الْمَطْلُوبِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ بَيْنَ الصِّدِّيقِينَ، وَالتَّوْبَةُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاجِبَةٌ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ كَمَا يُقَالُ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَيْ لِمَنْ يُرِيدُهَا، فَإِنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو فِي مَبْدَأِ خِلْقَتِهِ مِنِ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ أَصْلًا، وَلَيْسَ مَعْنَى التَّوْبَةِ تَرْكَهَا فَقَطْ، بَلْ تَمَامُ التَّوْبَةِ بِتَدَارُكِ مَا مَضَى، وَكُلُّ شَهْوَةٍ اتَّبَعَهَا الْإِنْسَانُ ارْتَفَعَ مِنْهَا

نام کتاب : موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين نویسنده : القاسمي، جمال الدين    جلد : 1  صفحه : 270
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست