responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 94
عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ: أَلَا يَعْلَمُ الرَّبُّ مَخْلُوقَهُ وَمَصْنُوعَهُ؟ ثُمَّ خَتَمَ الْحُجَّةَ بِاسْمَيْنِ مُقْتَضِيَيْنِ لِثُبُوتِهَا وَهُمَا: اللَّطِيفُ الَّذِي لَطُفَ صُنْعُهُ وَحِكْمَتُهُ وَدَقَّ حَتَّى عَجَزَتْ عَنْهُ الْأَفْهَامُ، وَالْخَبِيرُ الَّذِي انْتَهَى عِلْمُهُ إِلَى الْإِحَاطَةِ بِبَوَاطِنِ الْأَشْيَاءِ وَخَفَايَاهَا كَمَا أَحَاطَ بِظَوَاهِرِهَا، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ مَا تُخْفِيهِ الضَّمَائِرُ وَتُجِنُّهُ الصُّدُورُ.
وَمِنْ هَذَا احْتِجَاجُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 35 - 36] فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّرْدِيدَ وَالْحَصْرَ الْمُتَضَمِّنَ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِأَقْرَبِ طَرِيقٍ وَأَوْضَحِ عِبَارَةٍ.
يَقُولُ تَعَالَى: هَؤُلَاءِ مَخْلُوقُونَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا، فَهَلْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ خَلَقَهُمْ؟ فَهَذَا مِنَ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ خَالِقًا لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ فِي حَيَاتِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَتَعَاطِيهِ أَسْبَابَ الْحَيَاةِ سَاعَةً وَاحِدَةً، كَيْفَ يَكُونُ خَالِقًا لِنَفْسِهِ؟ وَإِذَا بَطَلَ الْقِسْمَانِ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُمْ خَالِقًا خَلَقَهُمْ، فَهُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِمِ الْعِبَادَةَ وَالشُّكْرَ، فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ إِلَهًا غَيْرَهُ وَهُوَ وَحْدَهُ الْخَالِقُ لَهُمْ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَوْقِعُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور: 36] مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ؟ قِيلَ: أَحْسَنُ مَوْقِعٍ، فَإِنَّهُ بَيَّنَ بِالْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّ لَهُمْ خَالِقًا فَاطِرًا، وَبَيَّنَ بِالْقِسْمِ الثَّالِثِ أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ وُجِدُوا وَخُلِقُوا فَهُمْ عَاجِزُونَ غَيْرُ خَالِقِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَخْلُقُوا نُفُوسَهُمْ وَلَمْ يَخْلُقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّ الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ الْمَسْكَنِ وَالسَّاكِنِ.
وَمِنْ هَذَا مَا حَكَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ مُحَاجَّةِ صَاحِبِ يس لِقَوْمِهِ، بِقَوْلِهِ: {قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ - اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 20 - 21] فَنَبَّهَ عَلَى وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ، وَهُوَ كَوْنُ الْمَتْبُوعِ رَسُولًا لِمَنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَالِفَ وَلَا يَعْصَى، وَأَنَّهُ عَلَى هِدَايَةٍ، وَنَبَّهَ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ عَدَمُ سُؤَالِ الْأَجْرِ فَلَا يُرِيدُ مِنْكُمْ دُنْيَا وَلَا رِئَاسَةً، فَمُوجِبُ الِاتِّبَاعِ كَوْنُهُ مُهْتَدِيًا وَالْمَانِعُ مِنْهُ مُنْتَفٍ، وَهُوَ طَلَبُ الْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ وَطَلَبُ الْأَجْرِ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22] أَخْرَجَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ فِي مَعْرِضِ الْمُخَاطَبَةِ لِنَفْسِهِ تَأْلِيفًا لَهُمْ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ عِبَادَةَ الْعَبْدِ لِمَنْ فَطَرَهُ أَمْرٌ وَاجِبٌ فِي الْعُقُولِ،

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 94
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست