responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 369
عَلَى عَرْشِهِ أَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، وَكَانَ هَذَا الْكِتَابُ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ كَالْعَهْدِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا بِالرَّحْمَةِ لَهُمْ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ وَالسِّتْرِ وَالْإِمْهَالِ وَالْحِلْمِ وَالْأَنَاةِ، فَكَانَ قِيَامُ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ بِمَضْمُونِ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي لَوْلَاهُ لَكَانَ لِلْخَلْقِ شَأْنٌ آخَرُ، وَكَانَ عَنْ صِفَةِ الرَّحْمَةِ الْجَنَّةُ وَسُكَّانُهَا وَأَعْمَالُهَا، فَبِرَحْمَتِهِ خُلِقَتْ، وَبِرَحْمَتِهِ عُمِرَتْ بِأَهْلِهَا، وَبِرَحْمَتِهِ وَصَلُوا إِلَيْهَا، وَبِرَحْمَتِهِ طَابَ عَيْشُهُمْ فِيهَا، وَبِرَحْمَتِهِ احْتَجَبَ عَنْ خَلْقِهِ بِالنُّورِ، وَلَوْ كَشَفَ ذَلِكَ الْحِجَابَ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ.
وَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنَّهُ يُعِيذُ مِنْ سَخَطِهِ بِرِضَاهُ، وَمِنْ عُقُوبَتِهِ بِعَفْوِهِ، وَمِنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنْ خَلَقَ لِلذَّكَرِ مِنَ الْحَيَوَانِ أُنْثَى مِنْ جِنْسِهِ، وَأَلْقَى بَيْنَهُمَا الْمَحَبَّةَ وَالرَّحْمَةَ، لِيَقَعَ بَيْنَهُمَا التَّوَاصُلُ الَّذِي بِهِ دَوَامُ التَّنَاسُلِ، وَانْتِفَاعُ الزَّوْجَيْنِ، وَيُمَتَّعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ أَحْوَجَ الْخَلْقَ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ لِتَتِمَّ مَصَالِحُهُمْ، وَلَوْ أَغْنَى بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ لَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُهُمْ وَانْحَلَّ نِظَامُهَا، وَكَانَ مِنْ تَمَامِ رَحْمَتِهِ بِهِمْ أَنْ جَعَلَ فِيهِمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَالْعَزِيزَ وَالذَّلِيلَ، وَالْعَاجِزَ وَالْقَادِرَ، وَالرَّاعِيَ وَالْمَرْعِيَّ، ثُمَّ أَفْقَرَ الْجَمِيعَ إِلَيْهِ، ثُمَّ عَمَّ الْجَمِيعَ بِرَحْمَتِهِ.
وَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنَّهُ خَلَقَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَأَنْزَلَ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ رَحْمَةً وَاحِدَةً، نَشَرَهَا بَيْنَ الْخَلِيقَةِ لِيَتَرَاحَمُوا بِهَا، فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ وَالْبَهَائِمُ، وَبِهَذِهِ الرَّحْمَةِ قِوَامُ الْعَالَمِ وَنِظَامِهِ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ - خَلَقَ الْإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1 - 4] كَيْفَ جَعَلَ الْخَلْقَ وَالتَّعْلِيمَ نَاشِئًا عَنْ صِفَةِ الرَّحْمَةِ مُتَعَلِّقًا بِاسْمِ الرَّحْمَنِ، وَجَعَلَ مَعَانِيَ السُّورَةِ مُرْتَبِطَةً بِهَذَا الِاسْمِ وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 78] فَالِاسْمُ الَّذِي تَبَارَكَ هُوَ الِاسْمُ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ السُّورَةَ، إِذْ مَجِيءُ الْبَرَكَةِ كُلِّهَا مِنْهُ، وَبِهِ وُضِعَتِ الْبَرَكَةُ فِي كُلِّ مُبَارَكٍ، فَكُلُّ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ بُورِكَ فِيهِ وَكُلُّ مَا خَلِيَ مِنْهُ نُزِعَتْ مِنْهُ الْبَرَكَةُ، فَإِنْ كَانَ مُذَكًّى وَخَلِيَ مِنْهُ اسْمُهُ كَانَ مَيْتَةً، وَإِنْ كَانَ طَعَامًا شَارَكَ صَاحِبَهُ فِيهِ الشَّيْطَانُ، وَإِنْ كَانَ مَدْخَلًا دَخَلَ مَعَهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ حَدَثًا لَمْ يُرْفَعْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ صَلَاةً لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ.

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 369
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست