responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 260
يَنْبَغِي، فَإِنَّهُ يَحُلُّ عَنْكَ إِشْكَالَاتٍ حَارَ فِيهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالْحَمْدِ وَالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ.

[رحمة الله سبقت غضبة]
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: مَسْلَكُ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهَا هِيَ الْمَسْئُولِيَّةُ الشَّامِلَةُ الْعَامَّةُ لِلْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا وَبِهَا قَامَتِ الْمَوْجُودَاتُ، فَهِيَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَالرَّبُّ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، فَوَصَلَتْ رَحْمَتُهُ إِلَى حَيْثُ وَصَلَ عِلْمُهُ، فَلَيْسَ مَوْجُودٌ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَقَدْ وَسِعَتْهُ رَحْمَتُهُ وَشَمِلَتْهُ وَنَالَهُ مِنْهَا حَظٌّ وَنَصِيبٌ، وَلَكِنِ الْمُؤْمِنُونَ اكْتَسَبُوا أَسْبَابًا اسْتَوْجَبُوا بِهَا تَكْمِيلَ الرَّحْمَةِ وَدَوَامَهَا، وَالْكُفَّارُ اكْتَسَبُوا أَسْبَابًا اسْتَوْجَبُوا بِهَا صَرْفَ الرَّحْمَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ.
فَأَسْبَابُ الرَّحْمَةِ مُتَّصِلَةٌ دَائِمَةٌ لَا انْقِطَاعَ لَهَا لِأَنَّهَا مِنْ صِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَالْأَسْبَابُ الَّتِي عَارَضَتْهَا مُضْمَحِلَّةٌ زَائِلَةٌ لِأَنَّهَا عَارِضَةٌ عَلَى أَسْبَابِ الرَّحْمَةِ طَارِئَةٌ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ كُلُّ مَخْلُوقٍ قَدِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَوَسِعَتْهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ آخِرًا كَمَا ظَهَرَ أَثَرُهَا فِيهِ أَوَّلًا، فَإِنَّ أَثَرَ الرَّحْمَةِ ظَهَرَ فِيهِ أَوَّلَ النَّشْأَةِ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَا يَقْتَضِي آثَارَ الْغَضَبِ، فَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْغَضَبِ أَثَرُهُ عَادَتِ الرَّحْمَةُ فَاقْتَضَتْ أَثَرَهَا آخِرَهَا كَمَا اقْتَضَتْهُ أَوَّلًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَحُصُولِ الْمُقْتَضَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْجَنَّةَ مُقْتَضَى رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَالنَّارَ مِنْ عَذَابِهِ، وَهُوَ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49 - 50] وَقَالَ: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 167] فَالنِّعَمُ مُوجَبُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَمَّا الْعَذَابُ فَإِنَّهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الْمَقْصُودَةِ لِغَيْرِهَا بِالْقَصْدِ الثَّانِي، فَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا ذَكَرَ الرَّحْمَةَ وَالْإِحْسَانَ وَالْعَفْوَ نَسَبَهُ إِلَى ذَاتِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَإِذَا ذَكَرَ الْعِقَابَ نَسَبَهُ إِلَى أَفْعَالِهِ وَلَمْ يَتَّصِفْ بِهِ، فَرَحْمَتُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَلَيْسَ غَضَبُهُ وَعِقَابُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا رَحِيمًا، كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا سَمِيعًا، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا غَضْبَانًا مُعَذِّبًا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ، وَلَا هُوَ مِمَّا أَثْنَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَمَدَّحَ بِهِ.
يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهَا الْغَضَبَ، وَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ وَغَلَبَتْهُ، وَلَمْ يَسْبِقْهَا الْغَضَبُ وَلَا غَلَبَهَا، وَوَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَسَعْ غَضَبُهُ وَعِقَابُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ الْخَلْقَ لِيَرْحَمَهُمْ لَا لِيُعَاقِبَهُمْ، وَالْعَفْوُ

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 260
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست