responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 255
الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ: إِنَّا وَإِنْ عَلَّلَنَا أَفْعَالَ الرَّبِّ بِالْحُكْمِ فَإِنَّا لَا نُوجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ لَهُ فِي كُلِّ خَلْقِهِ حِكْمَةً تَعْجِزُ الْعُقُولُ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِهَا، وَحِكْمَتُهُ أَعْلَى وَأَعْظَمُ أَنْ تُوزَنَ بِعُقُولِنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ الْحُكْمِ فِي خَلْقِهِمْ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِمَّا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ فَوَاتِهِ، وَهَذَا الْمَحْبُوبُ لَهُ إِنِ اسْتَلْزَمَ وُجُودُهُ مَفْسَدَةً فِي حَقِّ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ، فَالْحِكْمَةُ الْحَاصِلَةُ بِخَلْقِهِ أَعْظَمُ مِنْ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ الْحَاصِلَةَ مَنْ ذَبْحِ الْقَرَابِينَ وَالْهَدْيِ وَالْأَنْسَاكِ وَالضَّحَايَا وَغَيْرِهَا أَعْظَمُ مِنَ الْمَفْسَدَةِ الْحَاصِلَةِ لِلْحَيَوَانِ بِالذَّبْحِ، وَالْكُفَّارُ قَرَابِينُ أَهْلِ الْإِيمَانِ.
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: أَنَّا نُعَلِّلُ أَفْعَالَهُ سُبْحَانَهُ بِالْمَصَالِحِ، لَكِنْ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَلَكَهُ أَهْلُ الْقَدَرِ وَالِاعْتِزَالِ مِنْ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ الَّتِي اقْتَرَحَتْهَا عُقُولُهُمْ وَحَكَمَتْ بِأَنَّهُ هُوَ أَصْلَحُ، وَهَذَا مَسْلَكٌ بَاطِلٌ يُقَابِلُ فِي الْبُطْلَانِ مَسْلَكَ خُصُومِهِمْ مِنَ الْجَبْرِيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ أَنْ يَفْعَلَ لِغَايَةٍ أَوْ أَنْ يَكُونَ بِفِعْلِهِ عِلَّةٌ الْبَتَّةَ، فَنَقُولُ: نَعَمْ فِي خَلْقِهِمْ أَعْظَمُ الْمَصَالِحِ الَّتِي هِيَ فِعْلُ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ، بَلْ هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ لَنَا فِي هَذَا الْمَسْلَكِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ نَقُولَ: خُلِقُوا لِمَصْلَحَتِهِمْ، مِنْ مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ وَعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ، وَفُطِرُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُيِّئُوا لَهُ وَمُكِّنُوا مِنْهُ، وَجَعَلَ فِيهِمُ الِاسْتِعْدَادَ وَالْقَبُولَ، وَبِهَذَا قَامَتْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَظَهَرَ عَدْلُهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَبَوْا وَاسْتَكْبَرُوا أَنْ يَنْقَادُوا لِطَاعَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَمَحَبَّتِهِ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ الْمُعْتَدِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْعَذَابِ، فَجَعَلَ تَعْذِيبَهُمْ مِنْ تَمَامِ نَعِيمِ أَوْلِيَائِهِ، وَمَصْلَحَةٍ مَحْضَةٍ فِي حَقِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا فَوَّتُوا الْمَصَالِحَ الَّتِي خُلِقُوا لِأَجْلِهَا وَاسْتَحَقُّوا عَلَيْهَا الْعُقُوبَةَ صَارَتْ تِلْكَ الْعُقُوبَةُ مَصَالِحٌ لِأَوْلِيَائِهِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَلِكٍ لَهُ عَبِيدٌ، هَيَّأَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِخِدْمَتِهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ وَالْحَظْوَةِ بِكَرَامَتِهِ، فَأَبَى بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ، فَسَلَّطَ الْمَلِكُ عَبِيدَهُ الْمُطِيعِينَ لَهُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَبَحْتُكُمْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ شُكْرًا لَكُمْ عَلَى طَاعَتِي، وَعُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى اسْتِكْبَارِهِمْ عَنْهَا، وَأَرَيْتُكُمْ عَظِيمَ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بِمَا أَنْزَلْتُ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِي، فَإِنَّكُمْ لَوْ عَمِلْتُمْ مِثْلَ عَمَلِهِمْ جَعَلَتْكُمْ بِمَنْزِلَتِهِمْ، فَكُلَّمَا شَاهَدُوا عُقُوبَتَهُمُ ازْدَادُوا مَحَبَّةً وَرَغْبَةً وَذِكْرًا وَشُكْرًا لِلْمَلِكِ وَاجْتِهَادًا فِي طَاعَتِهِ وَبُلُوغِ مَرْضَاتِهِ، وَتِلْكَ الْعُقُوبَةُ الَّتِي نَالَتْهُمْ إِنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِ، لَمْ يَظْلِمْهُمُ الْمَلِكُ شَيْئًا، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَالنِّعْمَةُ السَّابِغَةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147] .

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست