responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 253
وَيُعَظِّمُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ وَيُخَالِفُهُ، وَهَذَا الِابْتِلَاءُ وَالِامْتِحَانُ يَسْتَلْزِمُ أَسْبَابًا يَحْصُلُ بِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ أَسْبَابِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ مِنْ أَسْبَابِهِ خَلْقُ الشَّهَوَاتِ وَمَا يَدْعُو إِلَيْهَا وَتَزَيْيُنِهَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7] .
فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَوَاضِعَ فِي الْقِرَآنِ تُبَيِّنُ حِكْمَتَهُ فِي خَلْقِ أَسْبَابِ الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ، فَظَهَرَ أَنَّ مِنْ بَعْضِ الْحَكَمِ فِي خَلْقِ عَدُوِّ اللَّهِ إِخْرَاجُ خَبَأِ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي شَرُّهَا وَخَبِيثُهَا كَامِنٌ فِيهَا، فَأَخْرَجَ خَبَأَهَا بِزِنَادِ دَعْوَتِهِ كَمَا يَخْرُجُ خَبَّأُ النَّارِ بِقَدَحِ الزِّنَادِ، وَكَمَا يَخْرُجُ خَبَأُ الْأَرْضِ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَكَمَا يَخْرُجُ خَبَأُ الْأُنْثَى بِلِقَاحِ الذَّكَرِ لَهَا، وَكَمَا يَخْرُجُ خَبَأُ الْقُلُوبِ الذَّاكِيَةِ بِإِنْزَالِ وَحْيِهِ وَكَلَامِهِ عَلَيْهَا.
فَكَمْ لَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَآيَةٍ ظَاهِرَةٍ فِي خَلْقِ عَدُوِّهِ إِبْلِيسَ، فَإِنَّ مِنْ كَمَالِ الْحِكْمَةِ وَالْقُدْرَةِ إِظْهَارُ شَرَفِ الْأَشْيَاءَ الْفَاضِلَةِ بِأَضْدَادِهَا، فَلَوْلَا اللَّيْلُ لَمْ يَظْهَرْ فَضْلُ النَّهَارِ وَنُورُهُ وَقَدْرُهُ، وَلَوْلَا الْأَلَمُ لَمْ يُعْرَفْ فَضْلُ اللَّذَّةِ وَشَرَفِهَا وَقَدْرِهَا، وَلَوْلَا الْمَرَضُ لَمْ يُعْرَفْ فَضْلُ الْعَافِيَةِ، وَلَوْلَا وُجُودُ قُبْحِ الصُّورَةِ لَمْ يَظْهَرْ فَضْلُ الْحَسَنِ وَجَمَالُهَا، وَلِهَذَا كَانَ خَلْقُ النَّارِ وَعَذَابُ أَهْلِهَا فِيهَا أَعْظَمُ لِنَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبْلَغُ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِهَا وَخَطَرِهَا، فَكَانَ خَلْقُ هَذَا الْقَبِيحِ الشَّنِيعِ الْمَنْظَرِ الَّذِي صُورَتُهُ أَشْنَعُ مِنْ بَاطِنِهِ، وَبَاطِنُهُ أَقْبَحُ مِنْ صُورَتِهِ مُكَمِّلًا لِحُسْنِ تِلْكَ الرُّوحِ الزَّكِيَةِ الْفَاضِلَةِ، الَّتِي كَمَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بِصُورَتِهَا جَمَالَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَلَوْ كَانَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى حُسْنِ يُوسُفَ مَثَلًا، فَأَيُّ فَضِيلَةٍ وَتَمْيِيزٍ يَكُونُ لَهُ؟ وَلَوْ كَانَتِ الْكَوَاكِبُ كُلُّهَا شُمُوسًا وَأَقْمَارًا، فَأَيُّ مَزِيَّةٍ كَانَتْ تَكُونُ لِلنَّيِّرَيْنِ؟

[فصل العبودية إنما تظهر عند الامتحان بالشهوات]
فَصْلٌ
إِنَّ كَمَالَ الْعُبُودِيَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالطَّاعَةِ إِنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ وَالدَّوَاعِي إِلَى الشَّهَوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْعُبُودِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ تَتَبَيَّنُ حَقِيقَتُهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ وَالِامْتِحَانِ وَحِينَئِذٍ يَتَبَيَّنُ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الم - أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة: 214]

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست