responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 243
قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، وَإِنَّمَا هُنَا عَدَمٌ وَخُلُوٌّ عَنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ، وَهَذَا الْعَدَمُ لَيْسَ بِكَفٍّ لِلنَّفْسِ وَمَنْعٍ لَهَا عَمَّا تُرِيدُهُ وَتُحِبُّهُ، بَلْ هُوَ مَحْضُ خُلُوِّهَا مِمَّا هُوَ أَنْفَعُ شَيْءٍ لَهَا، وَالْعُقُوبَةُ عَلَى الْأَمْرِ الْعَدَمِيِّ هِيَ بِفِعْلِ السِّيئَاتِ لَا بِالْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَنَالُهُ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِالرُّسُلِ، فَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ عُقُوبَتَانِ: إِحْدَاهُمَا جَعْلُهُ خَاطِئًا مُذْنِبًا لَا يُحِسُّ بِأَلَمِهَا وَمَضَرَّتِهَا لِمُوَافَقَتِهَا شَهْوَتَهُ وَإِدَارَتَهُ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُوبَاتِ، وَالثَّانِيَةُ: الْعُقُوبَاتُ الْمُؤْلِمَةُ بَعْدَ فِعْلِهِ السَّيِّئَاتِ، وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعُقُوبَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 44] فَهَذِهِ الْعُقُوبَةُ الْأُولَى، ثُمَّ قَالَ: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام: 44] فَهَذِهِ الْعُقُوبَةُ الثَّانِيَةُ.
وَأَعْطِ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّهُ مِنَ التَّأَمُّلِ، وَانْظُرْ كَيْفَ تَرَتَّبَتْ هَاتَانِ الْعُقُوبَتَانِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، لَكِنَّ الْعُقُوبَةَ الْأُولَى عُقُوبَةٌ مُوَافِقَةٌ لِهَوَاهُ وَإِرَادَتِهِ، وَالثَّانِيَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَتَلَذَّذُ بِهِ، وَتَأَمَّلْ عَدْلَ الرَّبِّ تَعَالَى فِي هَذِهِ وَهَذِهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا وَضَعَ الْعُقُوبَةَ فِي مَحَلِّهَا الْأَوْلَى بِهَا الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهَا غَيْرُهُ، وَهَذَا أَمْرٌ لَوْ لَمْ تَشْهَدْهُ الْقُلُوبُ وَتَعْرِفْهُ لَمَا جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سِوَاهُ، وَلَا يُظَنُّ بِهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ مِنْ ظَنِّ السَّوْءِ بِمَنْ يَتَعَالَى وَيَتَقَدَّسُ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَعَيْبٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ كَانَ يُمَكِنُهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِنَابَةِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُقَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَيَجْعَلَهُمْ مُخْلِصِينَ لَهُ، أَوْ ذَلِكَ مَحْضُ جَعْلِهِ فِي قُلُوبِهِمْ؟ قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ مَحْضُ مِنَّتِهِ وَفِعْلِهِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْخَيْرِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، فَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدُنَا أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ، وَلَا يَتَّقِي مِنَ الشَّرِّ إِلَّا مَا وَقَاهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَمْ يُوَفَّقُوا لَهُ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْفُسِهِمْ عَادَ السُّؤَالُ، وَكَانَ مَنْعُهُمْ مِنْهُ ظُلْمًا، وَلَزِمَكَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَدْلَ هُوَ تَصَرُّفُ الْمَلِكِ فِي مُلْكِهِ؟ قِيلَ: لَا يَكُونُ بِمَنْعِهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ظَالِمًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَانِعُ ظَالِمًا إِذَا مَنَعَ غَيْرَهُ حَقًّا لِذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ الرَّبُّ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْعُ غَيْرِهِ مَا لَيْسَ حَقًّا مَحْضُ فَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا كَانَ الْعَطَاءُ وَالْبَذْلُ وَالتَّوْفِيقُ إِحْسَانًا وَرَحْمَةً وَفَضْلًا، فَهَلَّا كَانَتْ

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 243
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست