responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 240
شِدَّةِ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ أَضْعَافُ اللَّذَّةِ الْحَاصِلَةِ بِدُونِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَذَّةُ الْوَصْلِ بَعْدَ الْهُجْرَانِ وَالْبِعَادِ الْمُؤْلِمِ وَالشَّوْقِ الشَّدِيدِ أَعْظَمُ مِنَ اللَّذَّةِ الْحَاصِلَةِ بِدُونِهِ، وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ لَازِمِهِ مُحَالٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ لَذَّةَ آدَمَ بَعْدَهُ إِلَى الْجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى دَارِ التَّعَبِ أَعْظَمُ مِنَ اللَّذَّةِ الَّتِي كَانَتْ حَاصِلَةً لَهُ أَوَّلًا.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ فَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ مَا مِنْ حَيَوَانٍ إِلَّا وَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ اللَّذَّةِ وَالْخَيْرِ وَالنَّعِيمِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْأَلَمِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ فَإِنَّهُ يَلْتَذُّ بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَنَوْمِهِ وَحَرَكَتِهِ وَرَاحَتِهِ وَجِمَاعِهِ الْأُنْثَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَنَعِيمُهُ وَلَذَّتُهُ أَضْعَافُ أَلَمِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ: إِمَّا أَنْ يُعَطَّلَ الْجَمِيعُ بِتَرْكِ خَلْقِ الْحَيَوَانِ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ الْأَلَمُ، أَوْ يُخْلَقَ عَلَى نَشْأَةٍ لَا يَلْحَقُهُ بِهَا أَلَمٌ، أَوْ عَلَى صِفَةٍ لَا يَنَالُ بِهَا لَذَّةً، أَوْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَالنَّشْأَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا.
فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ لِمُنَافَاتِهِ لِلْحِكْمَةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الْكَثِيرِ وَالنَّفْعَ الْعَظِيمَ لِمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ مَفْسَدَةٍ قَلِيلَةٍ كَتَعْطِيلِ الْأَمْطَارِ وَالثُّلُوجِ وَالرِّيَاحِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْآلَامِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحِكْمَةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْمَصْلَحَةَ تَأْبَى ذَلِكَ فَتَرْكُ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنَ الشَّرِّ الْقَلِيلِ شَرٌّ كَثِيرٌ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَكَمَا أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فِي نَفْسِهِ إِذْ مِنْ لَوَازِمِ إِنْشَائِهِ فِي هَذَا الْعَالَمِ أَنْ يَكُونَ عُرْضَةً لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْكَلَالِ وَالتَّعَبِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ مُنْشَأٌ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الَّذِي مُزِجَ خَيْرُهُ بِشَرِّهِ، وَالْمَنْشَأُ خَيْرٌ مِنْهُ كَذَلِكَ، فَالْحِكْمَةُ تَأْبَى إِنْشَاءَهُ لِذَلِكَ فِي هَذَا الْعَالَمِ الَّذِي مُزِجَ رَخَاؤُهُ بِشِدَّتِهِ، وَبَلَاؤُهُ بِعَافِيَتِهِ، وَأَلَمُهُ بِلَذَّتِهِ، وَسُرُورُهُ بِغَمِّهِ وَهَمِّهِ، فَلَوِ اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ تَخْلِيصَ نَوْعِ الْحَيَوَانِ مِنْ أَلَمِهِ لَكَانَ الْإِنْسَانُ الَّذِي هُوَ خُلَاصَتُهُ وَأَفْضَلُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ سُبْحَانَهُ لَفَاتَهُ مَصْلَحَةُ الْعِبْرَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى الْآلَامِ الْعَظِيمَةِ الدَّائِمَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَشْهَدَ عِبَادَهُ بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ اللَّذَّاتِ وَالْآلَامِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِمَا أَذَاقَهُمْ إِيَّاهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَاسْتَدَلُّوا بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ وَاشْتَاقُوا بِمَا بَاشَرُوهُ مِنَ اللَّذَّاتِ إِلَى مَا وُصِفَ لَهُمْ هُنَاكَ مِنْهَا وَاحْتَمَوْا بِمَا ذَاقُوا مِنَ الْآلَامِ هَاهُنَا عَمَّا وُصِفَ لَهُمْ مِنْهَا هُنَاكَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْمَصْلَحَةَ الْعَظِيمَةَ أَرْجَحُ مِنْ تَفْوِيتِهَا بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ الْيَسِيرَةِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَفْسَدَةٌ خَالِصَةٌ أَوْ رَاجِحَةٌ فَلَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَةُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَلَا يَكُونُ إِيجَادُهُ مَصْلَحَةً، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَسَمُ الرَّابِعُ وَهُوَ خَلْقُهُ عَلَى هَذِهِ النَّشْأَةِ.

نام کتاب : مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة نویسنده : ابن الموصلي    جلد : 1  صفحه : 240
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست