responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 261
الْوَاجِبَةُ هَاهُنَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، فَهِيَ مِنْ نِكَاحٍ مَحْضٍ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ، فَإِنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُ النِّكَاحِ لَمَا وَرِثَتْ.
وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: " يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ "، صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ بِالْقُرْعَةِ، ثُمَّ قَالَ: " وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ فِي حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْقُرْعَةِ وَرِثَتْهُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ، فَإِذَا أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَأَصَابَتْ الْقُرْعَةُ إحْدَاهُنَّ: كَانَ رِضَا الزَّوْجِ بِهَا وَرِضَا وَلِيِّهَا وَرِضَاهَا تَصْحِيحًا لِلنِّكَاحِ. وَلَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقُرْعَةُ أَصَابَتْ غَيْرَهَا، فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، لِأَنَّ الْمَجْهُولَ كَالْمَعْدُومِ، وَلِأَنَّا نَأْمُرُهُ أَنْ يُطَلِّقَ غَيْرَ الَّتِي أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ، فَيَقُولُ: وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ فَهِيَ طَالِقٌ احْتِيَاطًا، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ تَوْرِيثِ الْجَمِيعِ وَحِرْمَانِ الْجَمِيعِ؛ وَأَنْ يُوقَفَ الْأَمْرُ فِيهِنَّ أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ وَيَنْكَشِفَ، وَقَدْ لَا يَتَبَيَّنُ إلَى الْيَوْمِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْقُرْعَةُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ، شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِلتَّمْيِيزِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، فَسُلُوكُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الطُّرُقِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ لَا بِعَيْنِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، وَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتُهُنَّ شَاءَ، فَإِذَا وَطِئَ انْصَرَفَ الطَّلَاقُ إلَى الْأُخْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، فَجَعَلُوا الْوَطْءَ تَعْيِينًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّعْيِينَ بِالْقُرْعَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْيِينِ بِالْوَطْءِ، فَإِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْرِجُ مِنْ قَدَّرَ اللَّهُ إخْرَاجَهُ بِهَا، وَلَا يُتَّهَمُ بِهَا، وَالْوَطْءُ تَابِعٌ لِإِرَادَتِهِ وَشَهْوَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَهِيَ غَيْرَ مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ إرَادَةُ طَلَاقِهَا، فَهُوَ مُتَّهَمٌ، فَالتَّعْيِينُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى مِنْ التَّعْيِينِ بِالتَّشَهِّي وَالْإِرَادَةِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ قَالَ - فِيمَا إذَا أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ، ثُمًّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا - أَنَّ الْوَطْءَ لَا يُعَيِّنُ الْمُعْتَقَةَ مِنْ غَيْرِهَا.
وَقَالَ أَصْحَابُهُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ، وَذَلِكَ يَنْفِي النِّكَاحَ، فَلَمَّا وَطِئَ إحْدَاهُمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارٌ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَطَأُ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ، وَأَمَّا الْعِتْقُ: فَإِنَّهُ - وَإِنْ أَوْجَبَ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ - فَلَا يُنَافِي مِلْكَ الْيَمِينِ، كَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ.
فَقَالَ الْمُنَازِعُونَ لَهُمْ: الطَّلَاقُ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ عِنْدَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجْعَةَ مُبَاحَةٌ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِلتَّحْرِيمِ: انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَاسْتِيفَاءُ الْعَدَدِ.
وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُكُمْ بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ - وَإِنْ نَافَاهُ التَّحْرِيمُ - فَالْمِلْكُ يُنَافِيهِ التَّحْرِيمُ، فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مِلْكٍ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ لِمِلْكِ الْمَوْطُوءَةِ.

[فَصَلِّ فِيمَنْ طلق إحْدَى نِسَائِهِ وَمَاتَ قَبْل الْبَيَان]
127 - (فَصْلٌ)

نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 261
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست