responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 127
كَالظُّهْرِ؛ لِمَا تَقَرَّرَ فِيهَا أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى رُبْعَيْهِ الْأَوَّلَيْنِ بِالِاعْتِبَارِ السَّابِقِ، فَكَذَلِكَ الْعَصْرُ لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى رُبْعَيْهِ الْأَخِيرَيْنِ بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ وَأُلْحِقَتْ بِالظُّهْرِ فِي الْعَدَدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِكَ الِاشْتِمَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ بَعْدَ الْعَصْرِ صَلَاةٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ، أَوْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا حَذَرًا مِنْ التَّشْبِيهِ بِعُبَّادِ الشَّمْسِ فِي سُجُودِهِمْ لَهَا عِنْدَ غُرُوبِهَا كَطُلُوعِهَا؛ فَاتَّضَحَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنْ النَّهَارِ مُقَابَلٌ بِرَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ الْعَصْرَ آخِرُ النَّهَارِ، وَأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى رُبْعَيْهِ الْأَخِيرَيْنِ حَقِيقَةً، وَاتَّضَحَ أَيْضًا كَوْنُهَا الْوُسْطَى لِانْتِفَاءِ هَذَا الِاشْتِمَالِ الْحَقِيقِيِّ عَنْ الظُّهْرِ وَالصُّبْحِ.
وَأَيْضًا فَهِيَ لَمْ تَأْتِ إلَّا وَقَدْ امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِالْأَغْيَارِ وَمُعَانَاةِ الْمَشَاقِّ وَالْأَشْغَالِ وَوَرَطَاتِ الْأَوْهَامِ وَالْخَوَاطِرِ فَاحْتِيجَ إلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِي تَطْهِيرِ ذَلِكَ وَإِزَالَتِهِ وَتَكْفِيرِ نَقَائِصِهِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْآلَةُ الْمُزِيلَةُ لِذَلِكَ أَكْمَلَ الْآلَاتِ وَأَحَدَّهَا وَأَقْطَعَهَا، فَتَفَضَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ - وَجَعْلُ الْعَصْرِ كَذَلِكَ لِتَصْلُحَ مُزِيلَةً لِمَا وَقَعَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ، مِنْ ذَلِكَ الِاشْتِغَالِ الْكُلِّيِّ الْمُحْتَاجِ إلَى أَبْلَغِ مُطَهِّرٍ وَأَكْمَلِهِ؛ وَبِهَذَا اتَّضَحَ كَوْنُ الْوُسْطَى لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ اللَّيْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الِاشْتِغَالُ وَإِنَّمَا هُوَ مَحَلُّ رَاحَةٍ وَتَخَلٍّ عَنْ الْعَنَاءِ؛ وَمِنْ ثَمَّ خُصَّ بِأَوْقَاتِ التَّجَلِّي وَالْقُرْبِ وَشُهُودِ جَمَالِ الْحَقِّ وَإِنْعَامِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى خَوَاصِّهِ فِيهِ؛ فَهُوَ وَقْتُ تَحَلٍّ بِالْكَمَالَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْ ذَلِكَ الْقُرْبِ الْأَعْظَمِ، بِخِلَافِ النَّهَارِ فَإِنَّهُ وَقْتُ تَخَلٍّ لِذَلِكَ الْعَنَاءِ الصِّرْفِ وَالِارْتِبَاكِ بِحَضْرَةِ الْأَغْيَارِ الْمَانِعَةِ لِاسْتِجْلَاءِ أَنْوَارِ الشُّهُودِ.
فَاحْتِيجَ فِيهِ إلَى مَزِيدٍ لِذَلِكَ؛ فَشُرِعَتْ الْوُسْطَى فِيهِ لِتَتَكَفَّلَ بِتِلْكَ الْإِزَالَةِ وَكَانَتْ الْعَصْرَ لِأَنَّهَا الْأَحَقُّ بِتِلْكَ الْإِزَالَةِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ النَّهَارِيَّةِ؛ لِمَا قَرَّرْته وَأَوْضَحْته، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي التَّكْلِيفِ بِالصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ مَشَقَّةُ التَّكْلِيفِ بِهَا فِي النَّهَارِ؛ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْأَشْغَالِ وَاللَّهْوِ وَعُرُوضِ مَا يُضَادُّ الْعِبَادَةَ وَالشُّرُوعَ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ؛ مِنْ تَتَابُعِ الْأَغْيَارِ وَالْوُقُوعِ فِي مَهَامِهِ الْأَخْطَارِ، فَكَانَ فِي الْإِتْيَانِ بِالْعَصْرِ مَعَ ذَلِكَ الَّذِي يَكْثُرُ فِي وَقْتِهَا كَثْرَةٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا فِي وَقْتَيْ الظُّهْرِ وَالصُّبْحِ؛ مِنْ إظْهَارِ الطَّاعَةِ وَعَدَمِ تَأْثِيرِ الْقَوَاطِعِ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا؛ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَيْضًا حِكْمَةُ كَوْنِ الصَّلَوَاتِ النَّهَارِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الصَّلَوَاتِ اللَّيْلِيَّةِ؛ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الِامْتِحَانَ وَالْمَشَقَّةَ فِي تِلْكَ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ، فَطُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ أَكْثَرَ مِنْهُ بِاللَّيْلِ؛ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ وَيَظْهَرَ طَوْعُهُ وَيَطْهُرَ سِرُّهُ وَيَخْرُجَ عَنْ مَأْلُوفَاتِهِ وَقَوَاطِعِهِ وَعَادَاتِهِ.
ثُمَّ لَمَّا انْقَضَى النَّهَارُ افْتَتَحَ اللَّيْلَ بِثَلَاثٍ بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى مَا افْتَتَحَ بِهِ النَّهَارَ؛ إشَارَةً لِمَا مَرَّ أَنَّ اللَّيْلَ هُوَ مَحَلُّ التَّجَلِّي الْأَعْظَمِ وَالْقُرْبِ الْأَكْمَلِ الْأَتَمِّ، فَنَاسَبَ أَنْ يُشَارَ إلَى تَمْيِيزِهِ عَنْ النَّهَارِ بِذَلِكَ بِأَدْنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَهُوَ رَكْعَةٌ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَبْنَى هَذَا الدِّينِ عَلَى السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ مَا أَمْكَنَ، وَأَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ لَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى أَشَقَّ مِنْهَا، فَاتَّضَحَتْ حِكْمَةُ كَوْنِ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا لَمَّا كَانَتْ النَّفْسُ مَجْبُولَةً عَلَى حُبِّ النَّوْمِ وَمَطْبُوعَةً عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، خُفِّفَ عَنْهَا بَعْضَ التَّخْفِيفِ؛ فَسُومِحَتْ فِي تَرْكِ ثُمُنِ اللَّيْلِ بِلَا مُقَابِلٍ، وَعُمِلَ لَهَا وَقْتُ الْعِشَاءِ وَجُعِلَتْ أَرْبَعًا؛ لِتَكُونَ مُقَابِلَ رُبْعَيْنِ مِنْ اللَّيْلِ، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَإِنَّهَا مُقَابِلَةٌ لِرُبْعِهِ وَثُمُنِهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي فُرُوضِ النَّهَارِ أَنَّ كُلَّ مِنْهُ رُبْعٍ مُقَابَلٌ بِرَكْعَتَيْنِ، فَكَذَلِكَ اللَّيْلُ لَكِنْ مَعَ الْمُسَامَحَةِ بِثُمُنِهِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَابَلْ بِشَيْءٍ لِمَا عَلِمْت وَلِتَمْيِيزِ النَّهَارِ - كَمَا أَوْضَحْته فِيمَا سَبَقَ - لَمْ يُجْعَلْ مَا اُفْتُتِحَ بِهِ مُقَابِلًا لِشَيْءٍ مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الظُّهْرَ مُقَابِلٌ لِرُبْعَيْهِ الْأُولَيَيْنِ وَالْعَصْرَ مُقَابِلٌ لِرُبْعَيْهِ الْأَوَّلَيْنِ.
وَأَمَّا الصُّبْحُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَبْدَأٌ وَمُهَيِّئٌ لِقَطْعِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ وَالْمَشَاقِّ التَّكْلِيفِيَّةِ النَّهَارِيَّةِ؛ الَّتِي هِيَ أَشَقُّ وَأَبْلَغُ مِنْ التَّكْلِيفَاتِ اللَّيْلِيَّةِ إذْ النَّفْسُ تَسْمَحُ أَنْ تَقُومَ لَيْلَةً، وَلَا تَسْمَحُ أَنْ تَتْرُكَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهَا مَا يُقَابِلُ فَلْسًا وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ فِي صِفَةِ الْأَبْدَالِ أَنَّ اللَّهَ بِهِمْ يُحْيِي وَبِهِمْ يُمِيتُ وَبِهِمْ يُغِيثُ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ؛ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا ذَلِكَ بِكَبِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ؛ وَإِنَّمَا نَالُوهُ بِالسَّخَاءِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَعَلِمْنَا أَنَّ السَّخَاءَ أَعْظَمُ وَأَشَقُّ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ صِيَامِ النَّهَارِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَلِذَلِكَ احْتَاجَتْ التَّكْلِيفَاتُ النَّهَارِيَّةِ إلَى

نام کتاب : الفتاوى الفقهية الكبرى نویسنده : الهيتمي، ابن حجر    جلد : 1  صفحه : 127
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست