responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 5  صفحه : 62
النَّذْرِ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ كَالنَّذْرِ بِالْحَجِّ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ جَمِيعًا.

وَأَمَّا الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ دُونَ الْغَنِيِّ فَالْمُشْتَرِي لِلْأُضْحِيَّةِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي فَقِيرًا بِأَنْ اشْتَرَى فَقِيرٌ شَاةً يَنْوِي أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ الزَّعْفَرَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ (وَجْهُ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْإِيجَابَ مِنْ الْعَبْدِ يَسْتَدْعِي لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالشِّرَاءُ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَا يَكُونُ إيجَابًا وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ إيجَابًا مِنْ الْغَنِيِّ.
(وَلَنَا) أَنَّ الشِّرَاءَ لِلْأُضْحِيَّةِ مِمَّنْ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ يَجْرِي مَجْرَى الْإِيجَابِ وَهُوَ النَّذْرُ بِالتَّضْحِيَةِ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى لِلْأُضْحِيَّةِ مَعَ فَقْرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُضَحِّي فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: جَعَلْت هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً، بِخِلَافِ الْغَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ شِرَاؤُهُ لِلْأُضْحِيَّةِ إيجَابًا بَلْ يَكُونُ قَصْدًا إلَى تَفْرِيغِ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ شَاةٌ فَنَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا أَوْ اشْتَرَى شَاةً وَلَمْ يَنْوِ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُقَارِنْ الشِّرَاءَ فَلَا تُعْتَبَرُ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ دُونَ الْفَقِيرِ فَمَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ وَلَا شِرَاءٍ لِلْأُضْحِيَّةِ بَلْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْحَيَاةِ وَإِحْيَاءً لِمِيرَاثِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ اسْمُهُ بِذَبْحِ الْكَبْشِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فِدَاءً عَنْ وَلَدِهِ وَمَطِيَّةً عَلَى الصِّرَاطِ وَمَغْفِرَةً لِلذُّنُوبِ وَتَكْفِيرًا لِلْخَطَايَا عَلَى مَا نَطَقَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا لَا تَجِبُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَحُجَّةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ وَالضُّحَى وَالْأَضْحَى» .
وَرُوِيَ: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهِيَ لَكُمْ سُنَّةٌ وَذَكَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأُضْحِيَّةَ» .
وَالسُّنَّةُ غَيْرُ الْوَاجِبِ فِي الْعُرْفِ، وَرُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ وَسَيِّدَنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَدْ يَرُوحُ عَلَيَّ أَلْفُ شَاةٍ وَلَا أُضَحِّي بِوَاحِدَةٍ مَخَافَةَ أَنْ يَعْتَقِدَ جَارِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَكَانَ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ثُمَّ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُقِيمِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ الْبُدْنَ بَعْدَهَا، وَقِيلَ: صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ وَانْحَرْ بِمِنًى وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ وَمَتَى وَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ قُدْوَةٌ لِلْأُمَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ {وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أَيْ ضَعْ يَدَيْكَ عَلَى نَحْرِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيل: اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ بِنَحْرِكَ فِي الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ، وَالْحَمْلُ عَلَى الثَّانِي حَمْلٌ عَلَى التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى النَّحْرِ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَكُمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَالُ الصَّلَاةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ شَرْعًا بِدُونِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ أَمْرًا بِهِ فَحَمْلُ قَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ " وَانْحَرْ " عَلَيْهِ يَكُونُ تَكْرَارًا وَالْحَمْلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ يَكُونُ حَمْلًا عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ فَكَانَ أَوْلَى.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «ضَحُّوا فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ، - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالتَّضْحِيَةِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْقَرِينَةِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي حَقِّ الْعَمَلِ وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ» وَ " عَلَى " كَلِمَةُ إيجَابٍ، ثُمَّ نُسِخَتْ الْعَتِيرَةُ فَثَبَتَتْ الْأَضْحَاةُ وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ الْأُضْحِيَّةَ، وَلَا وَعِيدَ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ أُضْحِيَّتَهُ وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ» أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةَ وَإِعَادَتِهَا إذَا ذُبِحَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ قُرْبَةٌ وَالْوُجُوبُ هُوَ الْقُرْبَةُ فِي الْقُرُبَاتِ.
(وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ إنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ بِمَكْتُوبَةٍ عَلَيْنَا وَلَكِنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَفَرْقُ مَا بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ كَفَرْقِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَوْلُهُ: " هِيَ لَكُمْ سُنَّةٌ " إنْ ثَبَتَ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ إذْ السُّنَّةُ تُنْبِئُ عَنْ الطَّرِيقَةِ أَوْ السِّيرَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ.
(وَأَمَّا) حَدِيثُ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 5  صفحه : 62
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست