responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 5  صفحه : 40
يَتَغَيَّرُ لَحْمُهَا وَيَنْتُنُ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ كَالطَّعَامِ الْمُنْتِنِ. وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْجَلَّالَةِ أَنْ تُشْرَبَ أَلْبَانُهَا» ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا إذَا تَغَيَّرَ يَتَغَيَّرُ لَبَنُهَا، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ أَنْ يُحَجَّ عَلَيْهَا وَأَنْ يُعْتَمَرَ عَلَيْهَا وَأَنْ يُغْزَى وَأَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ» فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا أَنَتَنَتْ فِي نَفْسِهَا فَيَمْتَنِعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا حَتَّى لَا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِنَتِنِهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ الْعَمَلِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنْ تُحْبَسَ أَيَّامًا وَتُعْلَفَ فَحِينَئِذٍ تَحِلُّ.
وَمَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجْوَدُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى ذَاتِهَا بَلْ لِعَارِضٍ جَاوَرَهَا فَكَانَ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَلَالًا فِي ذَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُمْنَعُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ لَيْسَ لِحَبْسِهَا تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُوَقِّتُ فِي حَبْسِهَا وَقَالَ تُحْبَسُ حَتَّى تَطِيبَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَيْضًا، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّاقَةِ الْجَلَّالَةِ أَوْ الشَّاةِ وَالْبَقَرِ الْجَلَّالِ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ جَلَّالَةً إذَا تَفَتَّتَتْ وَتَغَيَّرَتْ وَوُجِدَ مِنْهَا رِيحٌ مُنْتِنَةٌ فَهِيَ الْجَلَّالَةُ حِينَئِذٍ لَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا وَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، وَبَيْعُهَا وَهِبَتُهَا جَائِزٌ، هَذَا إذَا كَانَتْ لَا تَخْلِطُ وَلَا تَأْكُلُ إلَّا الْعَذِرَةَ غَالِبًا فَإِنْ خَلَطَتْ فَلَيْسَتْ جَلَّالَةً فَلَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتُنُ.

وَلَا يُكْرَهُ أَكْلُ الدَّجَاجِ الْمَحَلِّيِّ وَإِنْ كَانَ يَتَنَاوَلُ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ النَّجَاسَةِ بَلْ يَخْلِطُهَا بِغَيْرِهَا وَهُوَ الْحَبُّ فَيَأْكُلُ ذَا وَذَا، وَقِيلَ إنَّمَا لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتُنُ كَمَا يَنْتُنُ الْإِبِلُ وَالْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّتَنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي جَدْيٍ ارْتَضَعَ بِلَبَنِ خِنْزِيرٍ حَتَّى كَبِرَ: إنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَنْتُنُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْجَلَّالَةِ لِمَكَانِ التَّغَيُّرِ وَالنَّتْنِ لَا لِتَنَاوُلِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا إذَا خَلَطَتْ لَا يُكْرَهُ وَإِنْ وُجِدَ تَنَاوُلُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتُنُ فَدَلَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلنَّتْنِ لَا لِتَنَاوُلِ النَّجَاسَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُحْبَسَ الدَّجَاجُ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَأْكُلُهُ» وَذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّهِ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِمَا الرَّحْمَةُ أَنَّهَا تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ لِلْخَبَرِ وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا فِي جَوْفِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ يَزُولُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ظَاهِرًا وَغَالِبًا.

الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ الْكَبِيرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَكْلِ الْغُرَابِ فَقَالَ: مَنْ يَأْكُلُ بَعْدَ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَاسِقًا عَنَى بِذَلِكَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يَقْتُلهُنَّ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» ؛ وَلِأَنَّ غَالِبَ أَكْلِهَا الْجِيَفُ فَيُكْرَهُ أَكْلُهَا كَالْجَلَّالَةِ، وَلَا بَأْسَ بِغُرَابِ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَالزَّرْعَ وَلَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ هَكَذَا رَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - عَنْ أَكْلِ الْغُرَابِ فَرَخَّصَ فِي غُرَابِ الزَّرْعِ وَكَرِهَ الْغُدَافَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْأَبْقَعِ فَكَرِهَ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ غُرَابًا يَخْلِطُ فَيَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَأْكُلُ الْحَبَّ لَا يُكْرَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ قَالَ: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ الطَّيْرِ مَا لَا يَأْكُلُ إلَّا الْجِيَفَ.

وَلَا بَأْسَ بِالْعَقْعَقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذِي مِخْلَبٍ وَلَا مِنْ الطَّيْرِ الَّذِي لَا يَأْكُلُ إلَّا الْحَبَّ كَذَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَكْلِ الْعَقْعَقِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، فَقُلْت: إنَّهُ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَقَالَ: إنَّهُ يَخْلِطُ.
فَحَصَلَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَخْلِطُ مِنْ الطُّيُورِ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ كَالدَّجَاجِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَكْلِهِ الْجِيَفُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَان شَرْطِ حِلِّ الْأَكْلِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ]
وَأَمَّا بَيَانُ شَرْطِ حِلِّ الْأَكْلِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ فَشَرْطُ حِلِّ الْأَكْلِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ هُوَ الذَّكَاةُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بِدُونِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتَثْنَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذَّكِيَّ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ.
ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الذَّكَاةِ فِي الْأَصْلِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:.
فِي بَيَانِ رُكْنِ الذَّكَاةِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الذَّكَاةِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهَا.
فَالذَّكَاةُ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيَّةٌ، وَضَرُورِيَّةٌ.
أَمَّا الِاخْتِيَارِيَّةُ فَرُكْنُهَا الذَّبْحُ فِيمَا يُذْبَحُ مِنْ الشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَالنَّحْرُ فِيمَا يُنْحَرُ وَهُوَ الْإِبِلُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الذَّبْحِ، وَالنَّحْرُ لَا يَحِلُّ بِدُونِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ لِمَكَانِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَأَنَّهُ لَا يَزُولُ إلَّا بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِإِحْلَالِ الطَّيِّبَاتِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَلَا يَطِيبُ إلَّا بِخُرُوجِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَذَلِكَ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 5  صفحه : 40
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست