responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 49
يَصِيرُ هُوَ الْغَنِيُّ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ يُغْنِي بِهِ إنْسَانًا أَحَبُّ إلَيَّ.
وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِغْنَاءَ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَ وَهُوَ أَنَّهُ يُغْنِيهِ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا عَنْ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ وُضِعَتْ لِمِثْلِ هَذَا الْإِغْنَاءِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» هَذَا إذَا أُعْطِيَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا لَهُ عِيَالٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَصَدَّق عَلَيْهِ قَدْرَ دَيْنِهِ وَزِيَادَةً مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ عِيَالٌ يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ.

وَأَمَّا الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَالُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَدَادُ عَيْشٍ بِأَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ظَهْرُ الْغِنَى؟ قَالَ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ مَا يُعَشِّيهِمْ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَلَا مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ الضَّرُورَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، وَتَرْكُ السُّؤَالِ فِي هَذَا الْحَالِ إلْقَاءُ النَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ وَإِنَّهُ حَرَامٌ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرَدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» أَمْرٌ بِوَضْعِ الزَّكَاةِ فِي فُقَرَاءِ مَنْ يُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا فِي غَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا سِوَى الزَّكَاةِ مِنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ صَرْفَهَا إلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ يَقَعُ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَهَلْ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ.
وَجْهُ قَوْلِهِمْ الِاعْتِبَارُ بِالزَّكَاةِ وَبِالصَّرْفِ إلَى الْحَرْبِيِّ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: 271] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ فَقِيرٍ وَفَقِيرٍ وَعُمُومُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي جَوَازَ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الزَّكَاةَ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقَوْله تَعَالَى فِي الْكَفَّارَاتِ {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مِسْكِينٍ وَمِسْكِينٍ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الْحَرْبِيَّ بِدَلِيلٍ وَلِأَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ بَابِ إيصَالِ الْبِرِّ إلَيْهِمْ وَمَا نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] وَظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي جَوَازَ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ بِرٌّ بِهِمْ إلَّا أَنَّ الْبِرَّ بِطَرِيقِ الزَّكَاةِ غَيْرُ مُرَادٍ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِنَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي الذِّمِّيِّ.

(وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ الْغَنِيمَةِ» .
وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ رَأَى فِي الطَّرِيقِ تَمْرَةً فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ» وَالْمَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهَا مِنْ غُسَالَةِ النَّاسِ فَيَتَمَكَّنُ فِيهَا الْخَبَثُ فَصَانَ اللَّهُ تَعَالَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ ذَلِكَ تَشْرِيفًا لَهُمْ وَإِكْرَامًا وَتَعْظِيمًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مَوَالِيهمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْقَمَ بْنَ أَبِي أَرْقَمَ الزُّهْرِيَّ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَاسْتَتْبَعَ أَبَا رَافِعٍ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ إنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» أَيْ: فِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ لَيْسَ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهُمْ؟ .
وَكَذَا مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ كَافِرًا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَمَوْلَى التَّغْلِبِيَّ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّدَقَةُ الْمُضَاعَفَةُ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ خَاصَّةً وَبَنُو هَاشِمٍ الَّذِينَ تُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَاتُ آلُ الْعَبَّاسِ، وَآلُ عَلِيٍّ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَوَلَدُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ.

وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ مَنَافِعُ الْأَمْلَاكِ مُتَّصِلَةً بَيْنَ الْمُؤَدِّي وَبَيْنَ الْمُؤَدَّى إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْأَدَاءِ تَمْلِيكًا مِنْ الْفَقِيرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يَكُونُ صَرْفًا إلَى نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الدَّفْعُ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ عَلَوَا وَالْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْتَفِعُ بِمَالِ الْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ الزَّكَاةَ إلَى زَوْجَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي دَفْعِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 49
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست