responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 39
الْعُشْرَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: خُذُوا مِنْهُمْ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا فَقِيلَ لَهُ: إنْ لَمْ نَعْلَمْ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا؟ فَقَالَ: خُذُوا مِنْهُمْ الْعُشْرَ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ وَالْمُؤْنَةُ تُوضَعُ مَوَاضِعَ الْجِزْيَةِ وَتُصْرَفُ إلَى مَصَارِفِهَا.

[فَصْلٌ رُكْنُ الزَّكَاةِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا رُكْنُ الزَّكَاةِ فَرُكْنُ الزَّكَاةِ هُوَ إخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتَسْلِيمُ ذَلِكَ إلَيْهِ يَقْطَعُ الْمَالِكُ يَدَهُ عَنْهُ بِتَمْلِيكِهِ مِنْ الْفَقِيرِ وَتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى يَدِ مَنْ هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ وَهُوَ الْمُصْدِقُ وَالْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ يَثْبُتُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَصَاحِبُ الْمَالِ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّسْلِيمِ إلَى الْفَقِيرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّدَقَةُ تَقَعُ فِي يَدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي كَفِّ الْفَقِيرِ» وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُلَّاكَ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ عَزْو جَلَّ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَالْإِيتَاءُ هُوَ التَّمْلِيكُ؛ وَلِذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الزَّكَاةَ صَدَقَةً بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] وَالتَّصَدُّقُ تَمْلِيكٌ فَيَصِيرُ الْمَالِكُ مُخْرِجًا قَدْرَ الزَّكَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمُقْتَضَى التَّمْلِيكِ سَابِقًا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ عَلَى أَصْلِنَا وَالْعِبَادَةُ إخْلَاصُ الْعَمَلِ بِكُلِّيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا: إنَّ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْفَقِيرِ تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ قَدْرِ الزَّكَاةِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَصِيرُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الْإِخْرَاجِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِبْطَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ لَا فِي التَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ بَلْ التَّمْلِيكِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ وَصَاحِبُ الْمَالِ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرُّكْنُ هُوَ إخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ وَعِنْدَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى لَكِنْ يَجُوزُ إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى.
وَيَبْطُلُ اعْتِبَارُ الصُّورَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَبَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي السَّوَائِمِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ مِنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، وَالرِّبَاطَاتِ وَالسِّقَايَاتِ، وَإِصْلَاحِ الْقَنَاطِرِ، وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى وَدَفْنِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ أَصْلًا.
وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى بِالزَّكَاةِ طَعَامًا فَأَطْعَمَ الْفُقَرَاءَ غَدَاءً وَعَشَاءً وَلَمْ يَدْفَعْ عَيْنَ الطَّعَامِ إلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ.
وَكَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ مَيِّتٍ فَقِيرٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ مِنْ الْفَقِيرِ لِعَدَمِ قَبْضِهِ، وَلَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ فَقِيرٍ إنْ قَضَى بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ مِنْ الْفَقِيرِ لِعَدَمِ قَبْضِهِ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ يَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ مِنْ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِهِ صَارَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ فَصَارَ كَأَنَّ الْفَقِيرَ قَبَضَ الصَّدَقَةَ بِنَفْسِهِ وَمِلْكِهِ مِنْ الْغَرِيمِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ إذْ الْإِعْتَاقُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ بَلْ هُوَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بِقَدْرِ الزَّكَاةِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ وَبِهِ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالزَّكَاةِ عَبْدًا فَيُعْتِقَهُ، وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ التَّمْلِيكُ، وَالْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ فَلَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] إعَانَةُ الْمُكَاتَبِينَ بِالزَّكَاةِ لِمَا نَذْكُرُهُ وَلَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ أَوْ إلَى عَامِلِ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْفَقِيرِ فِي الْقَبْضِ فَكَانَ قَبْضُهُ كَقَبْضِ الْفَقِيرِ.
وَكَذَا لَوْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى صَبِيٍّ فَقِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ فَقِيرٍ وَقَبَضَ لَهُ وَلِيُّهُ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ أَوْ وَصِيُّهُمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ قَبْضَ الصَّدَقَةِ عَنْهُ.
وَكَذَا لَوْ قَبَضَ عَنْهُ بَعْضُ أَقَارِبِهِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ أَقْرَبَ مِنْهُ وَهُوَ فِي عِيَالِهِ يَجُوزُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي هُوَ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوَلِيِّ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ لِكَوْنِهِ نَفْعًا مَحْضًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ قَبْضَ الْهِبَةِ لَهُ؟ ، وَكَذَا الْمُلْتَقِطُ إذَا قَبَضَ الصَّدَقَةَ عَنْ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ لَهُ فَقَدْ وَجَدَ تَمْلِيكَ الصَّدَقَةِ مِنْ الْفَقِيرِ، وَذُكِرَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ عَالَ يَتِيمًا فَجَعَلَ يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ وَيَنْوِي بِهِ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ يَجُوزُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَا كَانَ مِنْ كِسْوَةٍ يَجُوزُ وَفِي الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ إلَّا مَا دُفِعَ إلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ هُوَ الْإِطْعَامُ عَلَى طَرِيقِ الْإِبَاحَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْيَتِيمُ عَاقِلًا يُدْفَعُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا يُقْبَضُ عَنْهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ ثُمَّ يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَلِيِّ كَقَبْضِهِ لَوْ كَانَ عَاقِلًا وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ الْأَجْنَبِيِّ لِلْفَقِيرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرِهِ كَمَا فِي قَبْضِ الْهِبَةِ.
وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُخَرَّجُ الدَّفْعُ إلَى عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ إذْ هُمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ دَفْعًا إلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَدْفَعُ إلَى مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلِأَنَّ كَسْبَهُ مُتَرَدِّدٌ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 39
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست