responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 272
فِي الْمُشْرِكِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ، وَهِيَ الدُّعَاءُ إلَى النَّارِ يَعُمُّ الْكَفَرَةَ، أَجْمَعَ فَيَتَعَمَّمُ الْحُكْمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ فَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْمُسْلِمَةِ الْكِتَابِيَّ كَمَا لَا يَجُوزُ إنْكَاحُهَا الْوَثَنِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ وَلَايَةَ الْكَافِرِينَ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] فَلَوْ جَازَ إنْكَاحُ الْكَافِرِ الْمُؤْمِنَةَ لَثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

وَأَمَّا أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ غَيْرِ الْمُرْتَدِّينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَجَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: أَنْكِحَتُهُمْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ فِي الْإِسْلَامِ شَرَائِطَ لَا يُرَاعُونَهَا فَلَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى امْرَأَتَهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَنْكِحَتُهُمْ فَاسِدَةً لَمْ تَكُنْ امْرَأَتَهُ حَقِيقَةً، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ سُنَّةُ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُمْ عَلَى شَرِيعَتِهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وُلِدْت مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أُولَدْ مِنْ سِفَاحٍ» .
وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ قَبِيحٍ وَهُوَ الطَّعْنُ فِي نَسَبِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ وُلِدُوا مِنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَالْمَذَاهِبُ تُمْتَحَنُ بِعُبَّادِهَا فَلَمَّا أَفْضَى إلَى قَبِيحٍ عُرِفَ فَسَادُهَا.

وَيَجُوزُ نِكَاحُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ شَرَائِعُهُمْ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ كَمِلَّةٍ وَاحِدَةٍ إذْ هُوَ تَكْذِيبُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا فِيمَا أَنْزَلَ عَلَى رُسُلِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] وَاخْتِلَافُهُمْ فِي شَرَائِعِهِمْ، بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ شَرَائِعِهِمْ وَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ نِكَاحِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ كَذَا هَذَا.

[فَصْلٌ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِلْكَ صَاحِبِهِ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِلْكَ صَاحِبِهِ وَلَا يَنْتَقِصَ مِنْهُ مِلْكَهُ، فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِجَارِيَتِهِ وَلَا بِجَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ عَبْدَهَا وَلَا الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] الْآيَةَ ثُمَّ أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوَطْءَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ تَتَنَاوَلُ أَحَدَ الْمَذْكُورَيْنِ فَلَا تَجُوزُ الِاسْتِبَاحَةُ بِهِمَا جَمِيعًا؛ وَلِأَنَّ لِلنِّكَاحِ حُقُوقًا تَثْبُتُ عَلَى الشَّرِكَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
مِنْهَا: مُطَالَبَةُ الْمَرْأَةِ الزَّوْجَ بِالْوَطْءِ وَمُطَالَبَةُ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ بِالتَّمْكِينِ، وَقِيَامُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ يَمْنَعُ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ فِي ثَمَرَاتِ النِّكَاحِ لَا يُفِيدُ النِّكَاحُ فَلَا يَجُوزُ؛ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ الثَّابِتَةَ بِالنِّكَاحِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ وَلَا عَلَى الْحُرَّةِ لِعَبْدِهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْوَلَايَةُ لِلْمَالِكِ، وَكَوْنُ الْمَمْلُوكِ يُوَلَّى عَلَيْهِ، وَمِلْكُ النِّكَاحِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْوَلَايَةِ لِلْمُلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَالِيًا وَمُولَيًا عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا مُحَالٌ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ عِنْدَنَا، وَلَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَلَا لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ.
وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُدَبَّرَتَهُ وَمُكَاتَبَتَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا مَلَكَهُ، فَكَذَا إذَا اعْتَرَضَ مِلْكُ الْيَمِينِ عَلَى نِكَاحٍ يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِأَنْ مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لِمَا نَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَوْضِعِهِ.

[فَصْلٌ التَّأْبِيدُ]
(فَصْلٌ) :
وَمِنْهَا التَّأْبِيدُ فَلَا يَجُوزُ.
النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ وَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وَأَنَّهُ نَوْعَانِ:.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ التَّمَتُّعِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُعْطِيكِ كَذَا عَلَى أَنْ أَتَمَتَّعَ مِنْكِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هُوَ جَائِزٌ وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24] وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ الِاسْتِمْتَاعَ وَلَمْ يَذْكُرْ النِّكَاحَ، وَالِاسْتِمْتَاعُ وَالتَّمَتُّعُ وَاحِدٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَاءِ الْأَجْرِ، وَحَقِيقَةُ الْإِجَارَةِ وَالْمُتْعَةِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَاءِ الْأَجْرِ بَعْدَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْمُتْعَةِ، فَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنَّمَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيُؤْخَذُ الزَّوْجُ بِالْمَهْرِ أَوَّلًا ثُمَّ يُمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَدَلَّتْ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى جَوَازِ عَقْدِ الْمُتْعَةِ، وَلَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ، أَمَّا الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] حَرَّمَ تَعَالَى الْجِمَاعَ إلَّا بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ، وَالْمُتْعَةُ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 272
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست