responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 199
ذَكَرَ الصَّيْدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ خُصُوصًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَعْهُودِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} [المائدة: 95] وَالْهَاءُ كِنَايَةٌ رَاجِعَةٌ إلَى الصَّيْدِ الْمُوجَدِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ، فَقَدْ أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَتْلِ الصَّيْدِ مِثْلًا يَعُمُّ مَا لَهُ نَظِيرٌ وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَهُوَ الْقِيمَةُ لَا الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ وَالصُّورَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ فِي صَيْدٍ لَا نَظِيرَ لَهُ، بَلْ الْوَاجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ بِلَا خِلَافٍ، فَكَانَ صَرْفُ الْمِثْلِ الْمَذْكُورِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْعُمُومِ إلَيْهِ تَخْصِيصًا لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ عُمُومُ الْآيَةِ، وَالْعَمَلُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالثَّانِي أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْمِثْلِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا عُرِفَ مِثْلًا فِي أُصُولِ الشَّرْعِ، وَالْمِثْلُ الْمُتَعَارَفُ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ، هُوَ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَعْنَى، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، فَإِنَّ مَنْ أَتْلَفَ عَلَى آخَرَ حِنْطَةً يَلْزَمُهُ حِنْطَةٌ.
وَمَنْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ عَرْضًا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ.
فَأَمَّا الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْهَيْئَةُ فَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ لَا إلَى غَيْرِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ الْمِثْلَ مُنَكَّرًا فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَيَتَنَاوَلُ وَاحِدًا، وَأَنَّهُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى الْمِثْلِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَيَقَعُ عَلَى الْمِثْلِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، فَالْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى يُرَادُ مِنْ الْآيَةِ فِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ، فَلَا يَكُونُ الْآخَرُ مُرَادًا إذْ الْمُشْتَرَكُ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ لَهُ، وَالرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ عَدَالَةَ الْحَكَمَيْنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِيمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ، وَذَلِكَ فِي الْمِثْلِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ بِهَا تَتَحَقَّقُ الصِّيَانَةُ عَنْ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ، وَتَقْرِيرِ الْأَمْرِ عَلَى الْوَسَطِ.
فَأَمَّا الصُّورَةُ فَمُشَابَهَةٌ لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْعَدَالَةِ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْمِثْلِ، وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} [المائدة: 95] كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ مُفِيدٌ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ وَصْلِهِ بِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا، وَقَوْلُهُ {مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّفْسِيرِ لِلْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُرْجَعُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي تَقْوِيمِ الصَّيْدِ الْمُتْلَفِ يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي تَقْوِيمِ الْهَدْيِ الَّذِي يُوجَدُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْقِيمَةِ، فَلَا يُجْعَلُ قَوْلُهُ: {مِثْلُ مَا قَتَلَ} [المائدة: 95] مَرْبُوطًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] مَعَ اسْتِغْنَاءِ الْكَلَامِ عَنْهُ.
هَذَا هُوَ الْأَصْلُ إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ زَائِدٌ يُوجِبُ الرَّبْطَ بِغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَصَلَ قَوْلَهُ {مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] بِقَوْلِهِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] جَعَلَ الْجَزَاءَ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَرْفَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ، وَبَيْنَ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ {مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] تَفْسِيرًا لِلْمِثْلِ، لَكَانَ الطَّعَامُ وَالصِّيَامُ مِثْلًا لِدُخُولِ حَرْفِ أَوْ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ النَّعَمِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الذِّكْرِ، بِأَنْ قَالَ تَعَالَى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ طَعَامًا، أَوْ صِيَامًا أَوْ مِنْ النَّعَمِ هَدْيًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي التِّلَاوَةِ، لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الْمَعْنَى، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الطَّعَامُ وَالصِّيَامُ مِثْلًا لِلْمَقْتُولِ دَلَّ أَنَّ ذِكْرَ النَّعَمِ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ التَّفْسِيرِ لِلْمِثْلِ، بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُ مَوْصُولِ الْمُرَادِ بِالْأَوَّلِ، وَقَوْلُ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيجَابِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ مَعَ مَا، إنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، فَلَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي اعْتِبَارُ مَكَانِ الْإِصَابَةِ فِي التَّقْوِيمِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِيمَةُ وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَالشَّافِعِيِّ الْوَاجِبُ: هُوَ النَّظِيرُ إمَّا بِحُكْمِ الْحَكَمَيْنِ أَوْ ابْتِدَاءً، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَكَانُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " يُقَوَّمُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى وَإِنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي قِيَمِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ مَوَاضِعُ الِاسْتِهْلَاكِ، كَمَا فِي اسْتِهْلَاكِ سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَمِنْهَا أَنَّ الطَّعَامَ بَدَلٌ عَنْ الصَّيْدِ عِنْدَنَا، فَيُقَوِّمُ الصَّيْدَ بِالدَّرَاهِمِ وَيَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ طَعَامًا، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الطَّعَامَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُقَوِّمُ الْهَدْيَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِقِيمَةِ الْهَدْيِ طَعَامًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ جَزَاءَ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] إلَى قَوْلِهِ {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] فَلَمَّا كَانَ الْهَدْيُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ جَزَاءً مُعْتَبَرًا بِالصَّيْدِ إمَّا فِي قِيمَتِهِ أَوْ نَظِيرِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، كَانَ الطَّعَامُ مِثْلَهُ؛ وَلِأَنَّ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ اعْتِبَارَ الطَّعَامِ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 199
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست