responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 197
يُؤْكَلُ لُحُومُهَا بَرِّيَّةً كَانَتْ، أَوْ بَحْرِيَّةً؛ لِأَنَّ الطُّيُورَ كُلَّهَا بَرِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ تَوَالُدَهَا فِي الْبَرِّ إنَّمَا يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي الْبَحْرِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وقَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ظَاهِرُ الْآيَتَيْنِ: يَقْتَضِي تَحْرِيمَ صَيْدِ الْبَرِّ لِلْمُحْرِمِ عَامًّا، أَوْ مُطْلَقًا إلَّا مَا خُصَّ أَوْ قُيِّدَ بِدَلِيلٍ.
وقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] وَالْمُرَادُ مِنْهُ: الِابْتِلَاءُ بِالنَّهْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْآيَةِ {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94] أَيْ: اعْتَدَى بِالِاصْطِيَادِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ صَيْدُ الْبَرِّ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مُبَاحٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ، وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَالدَّالُّ عَلَى الشَّرِّ كَفَاعِلِهِ» وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ وَالْإِشَارَةَ سَبَبٌ إلَى الْقَتْلِ، وَتَحْرِيمُ الشَّيْءِ تَحْرِيمٌ لِأَسْبَابِهِ.
وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْإِعَانَةُ عَلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعَانَةَ فَوْقَ الدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ، وَتَحْرِيمُ الْأَدْنَى تَحْرِيمُ الْأَعْلَى مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى كَالتَّأْفِيفِ مَعَ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولِ فَنَوْعَانِ: نَوْعٌ يَكُونُ مُؤْذِيًا طَبْعًا مُبْتَدِئًا بِالْأَذَى غَالِبًا، وَنَوْعٌ لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى غَالِبًا، أَمَّا الَّذِي يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى غَالِبًا فَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ: الْأَسَدِ، وَالذِّئْبِ، وَالنَّمِرِ، وَالْفَهْدِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْأَذَى وَاجِبٌ فَضْلًا عَنْ الْإِبَاحَةِ، وَلِهَذَا أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتْلَ الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ يَقْتُلهُنَّ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْغُرَابُ وَرُوِيَ وَالْحِدَأَةُ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَمْسٌ يَقْتُلهُنَّ الْمُحِلُّ وَالْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْغُرَابُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَعِلَّةُ الْإِبَاحَةِ فِيهَا هِيَ الِابْتِدَاءُ بِالْأَذَى وَالْعَدْوُ عَلَى النَّاسِ غَالِبًا فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْحِدَأَةِ أَنْ تُغِيرَ عَلَى اللَّحْمِ وَالْكَرِشِ، وَالْعَقْرَبُ تَقْصِدُ مَنْ تَلْدَغُهُ وَتَتْبَعُ حِسَّهُ وَكَذَا الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الْبَعِيرِ وَصَاحِبُهُ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَالْفَأْرَةُ تَسْرِقُ أَمْوَالَ النَّاسِ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ مِنْ شَأْنِهِ الْعَدْوُ عَلَى النَّاسِ وَعَقْرِهِمْ ابْتِدَاءً مِنْ حَيْثُ الْغَالِبِ، وَلَا يَكَادُ يَهْرَبُ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْأَسَدِ، وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ، وَالنَّمِرِ فَكَانَ وُرُودُ النَّصِّ فِي تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وُرُودًا فِي هَذِهِ دَلَالَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ: " الْغُرَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْغُرَابُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ، أَوْ يَخْلِطُ مَعَ الْجِيَفِ إذْ هَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى " وَالْعَقْعَقُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى.
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى غَالِبًا كَالضَّبُعِ، وَالثَّعْلَبِ وَغَيْرِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ إنْ عَدَا عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: " يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ " وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ الْمُحَرِّمَ لِلْقَتْلِ قَائِمٌ وَهُوَ الْإِحْرَامُ فَلَوْ سَقَطَتْ الْحُرْمَةُ إنَّمَا تَسْقُطُ بِفِعْلِهِ.
وَفِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ فَبَقِيَ مُحَرِّمُ الْقَتْلِ كَمَا كَانَ، كَالْجَمَلِ الصَّئُولِ إذَا قَتَلَهُ إنْسَانٌ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا عَدَا عَلَيْهِ وَابْتَدَأَهُ بِالْأَذَى الْتَحَقَ بِالْمُؤْذِيَاتِ طَبْعًا فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ابْتَدَأَ قَتْلَ ضَبُعٍ فَأَدَّى جَزَاءَهَا وَقَالَ: " إنَّا ابْتَدَأْنَاهَا " فَتَعْلِيلُهُ بِابْتِدَائِهِ قَتْلَهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ ابْتَدَأَتْ لَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ، وَقَوْلُهُ " الْإِحْرَامُ قَائِمٌ " مُسَلَّمٌ لَكِنَّ أَثَرَهُ فِي أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ لَا فِي وُجُوبِ تَحَمُّلِ الْأَذَى بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الْأَذَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِيَانَةِ نَفْسِهِ عَنْ الْهَلَاكِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَسَقَطَتْ عِصْمَتُهُ فِي حَالِ الْأَذَى، فَلَمْ يَجِبْ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ ثَبَتَتْ حَقًّا لِمَالِكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُسْقِطُ الْعِصْمَةَ فَيَضْمَنُ الْقَاتِلُ، وَإِنْ لَمْ يَعْدُ عَلَيْهِ لَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ " يُبَاحُ لَهُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ " وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَاحَ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَ خَمْسٍ مِنْ الدَّوَابِّ، وَهِيَ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا وَالضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَكَانَ وُرُودُ النَّصِّ هُنَاكَ وُرُودًا هَهُنَا، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَقَوْلُهُ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَقَوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] عَامًّا أَوْ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنِ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ، وَاسْمُ الصَّيْدِ يَقَعُ عَلَى الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ لِوُجُودِ حَدِّ الصَّيْدِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 197
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست