responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 160
إنَّمَا كَانَ يُضْرِبُ عَلَى تَقْدِيمِ الثِّقَلِ مَخَافَةَ السَّرِقَةِ، ثُمَّ يَأْتِي الْأَبْطَحَ، وَيُسَمَّى الْمُحَصَّبَ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مِنًى وَبَيْنَ مَكَّةَ فَيَنْزِلُ بِهِ سَاعَةً، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ نَزَلُوا بِالْأَبْطَحِ» .

ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيَطُوفُ طَوَافَ الصَّدْرِ تَوْدِيعًا لِلْبَيْتِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى طَوَافَ الْوَدَاعِ، وَأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَا رَمَلَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ طَوَافٌ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ، كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ يَأْتِي الْمَقَامَ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، وَيَصُبُّ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ ثُمَّ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، فَيَضَعُ صَدْرَهُ وَجَبْهَتَهُ عَلَيْهِ، وَيَتَشَبَّثُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيَدْعُو ثُمَّ يَرْجِعُ، وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ، وَيُكَبِّرُ ثُمَّ يَرْجِعُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَخَلَ الْبَيْتَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَيَقُولُ عِنْدَ رُجُوعِهِ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعَدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ شَرَائِطُ أَرْكَانِ الْحَجَّ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ أَرْكَانِهِ فَمِنْهَا الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ، فَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَمِنْهَا الْعَقْلُ فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا، فَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ الْجَوَازِ، فَيَجُوزُ حَجُّ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَمِنْهَا الْإِحْرَامُ عِنْدَنَا، وَالْكَلَامُ فِي الْإِحْرَامِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ، وَفِي بَيَانِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا، وَفِي بَيَانِ زَمَانِ الْإِحْرَامِ، وَفِي بَيَانِ مَكَانِهِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُحْرِمُ بِهِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُحْرِمِ إذَا مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِ الْإِحْرَامِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ، وَمَا لَا يَحْظُرُهُ، وَفِي بَيَانِ مَا يَجِبُ بِفِعْلِ الْمَحْظُورِ مِنْهُ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْإِحْرَامُ شَرْطُ جَوَازِ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ، وَعَنَى بِهِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَحْرِيمِهِ الصَّلَاةَ، وَيَتَضَمَّنُ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيَانَ زَمَانِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ جَمِيعُ السَّنَةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ حَتَّى يَجُوزَ الْإِحْرَامُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ عِنْدَنَا، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ رَأْسًا، وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ لَا لِلْحَجَّةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا يَنْعَقِدُ لِلْحَجَّةِ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: أَنَّ الْإِحْرَامَ لَمَّا كَانَ شَرْطًا لِجَوَازِ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ عِنْدَنَا جَازَ وُجُودُهُ قَبْلَ هُجُومِ وَقْتِ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ، كَمَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلَمَّا كَانَ رُكْنًا عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ سَابِقًا عَلَى وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ أَفْعَالِ الْعِبَادَةِ الْمُؤَقَّتَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَنَتَكَلَّمُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً وَابْتِدَاءً.
أَمَّا الْبِنَاءُ فَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ.
وَكَذَا الْمُحْرِمُ لِلصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهَا لَا بِالِابْتِدَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِحْرَامُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَأَمَرَ بِالِابْتِدَاءِ لَا بِالْإِتْمَامِ فَدَلَّ أَنَّهُ رُكْنٌ فِي نَفْسِهِ، وَشَرْطٌ لِجَوَازِ أَدَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَأْخُذُ الِاسْمَ مِنْهُ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَالْإِمْسَاكِ فِي بَابِ الصَّوْمِ.
وَقَدْ يَكُونُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً، كَالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ، وَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي بَابِ الْبَيْعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَشَرْطُهُ: مَا يَأْخُذُ الِاعْتِبَارَ مِنْهُ، كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَجُّ يَأْخُذُ الِاسْمَ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا مِنْ الْإِحْرَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] ، وَحِجُّ الْبَيْتِ: هُوَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجُّ عَرَفَةَ» أَيْ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يُطْلِقْ اسْمَ الْحَجِّ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا بِهِ اعْتِبَارُ الرُّكْنَيْنِ، فَكَانَ شَرْطًا لَا رُكْنًا، وَلِهَذَا جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ شَرْطًا لِأَدَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَفْعَالِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِتْمَامِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مَمْنُوعٌ، بَلْ لَا يُؤْمَرُ بِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ.
وَأَمَّا الِابْتِدَاءُ فَالشَّافِعِيُّ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أَيْ وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ؛ إذْ الْحَجُّ نَفْسُهُ لَا يَكُونُ أَشْهُرًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ، وَالْأَشْهُرُ أَزْمِنَةٌ فَقَدْ عَيَّنَ اللَّهُ أَشْهُرًا مَعْلُومَةً وَقْتًا لِلْحَجِّ، وَالْحَجُّ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مِنْ الْأَفْعَالِ مَعَ شَرَائِطِهَا: مِنْهَا الْإِحْرَامُ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِهِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] ظَاهِرُ الْآيَةِ: يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْأَشْهُرُ كُلُّهَا وَقْتًا لِلْحَجِّ فَيَقْتَضِي جَوَازَ الْإِحْرَامِ بِأَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي الْأَوْقَاتِ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 160
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست