responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 134
تُزَادُ فِي الْكَلَامِ صِلَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] مَعْنَاهُ أَنْ تَسْجُدَ فَكَانَ كَالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَعْنَى.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ الشَّافِعِيِّ بِهِ عَلَى زَعْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: رَوَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ فُلَانٍ فَكَانَتْ مَجْهُولَةً لَا نَدْرِي مَنْ هِيَ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَأْبَى مَرَّةً قَبُولَ الْمَرَاسِيلِ لِتَوَهُّمِ الْغَلَطِ، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا تُعْرَفُ، وَلَا يَذْكُرُ اسْمَهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكُنْيَةَ قَدْ تُذْكَرُ، وَيُرَادُ بِهَا الْحُكْمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب: 6] أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيْ حَكَمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْأَوَّلُ تَكُونُ حُجَّةً، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الثَّانِي لَا تَكُونُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ، بَلْ الْوُجُوبُ، وَالِانْتِدَابُ وَالْإِبَاحَةُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ أَوْ نَحْمِلُهَا عَلَى الْوُجُوبِ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ، وَإِذَا كَانَ، وَاجِبًا فَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلُهُ طَوَافُ الصَّدْرِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ» ، وَرَخَّصَ لِلْحَائِضِ، بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ ذَاتُهُ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّيْءُ أَصْلًا كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ فِي جَمِيعِهِ دَمٌ يَجِبُ فِي أَكْثَرِهِ دَمٌ، أَصْلُهُ طَوَافُ الصَّدْرِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَطْعَمَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ مِسْكِينًا إلَّا أَنْ يُبْلِغَهُ ذَلِكَ دَمًا فَلَهُ الْخِيَارُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ فِي جَمِيعِهِ دَمٌ يَكُونُ فِي أَقَلِّهِ صَدَقَةٌ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ تَرَكَ الصُّعُودَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصُّعُودَ عَلَيْهِمَا سُنَّةٌ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَلَكِنْ لَوْ تَرَكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الطَّوَافِ.

[فَصْلٌ قَدْرُ السَّعْي]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا قَدْرُهُ فَسَبْعَةُ أَشْوَاطٍ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعُدُّ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطًا، وَمِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطًا آخَرَ، كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ، وَمِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ، وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَكَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قُلْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ يَبْتَدِئُ بِالصَّفَا، وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ يَقَعُ الْخَتْمُ بِالصَّفَا لَا بِالْمَرْوَةِ فَدَلَّ أَنَّ مَذْهَبَ أَصْحَابِنَا مَا ذَكَرْنَا.

[فَصْلٌ رُكْنُ السَّعْي]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا رُكْنُهُ فَكَيْنُونَتُهُ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ السَّعْيِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَرِيضًا فَسَعَى بِهِ مَحْمُولًا أَوْ سَعَى رَاكِبًا لِحُصُولِهِ كَائِنًا بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ بِنَفْسِهِ فَحُمِلَ أَوْ رَكِبَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ، وَاجِبٌ فَإِذَا تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمَشْيَ فِي الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.

[فَصْلٌ شَرَائِطُ جَوَازِ السَّعْي]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِهِ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّوَافِ أَوْ بَعْدَ أَكْثَرِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا فَعَلَ.
وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وَلِأَنَّ السَّعْيَ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، وَتَبَعُ الشَّيْءِ كَاسْمِهِ، وَهُوَ أَنْ يَتْبَعَهُ فِيمَا تَقَدَّمَهُ لَا فِيمَا يَتْبَعُهُ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِ أَكْثَرِ الطَّوَافِ قَبْلَ تَمَامِهِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ.

وَمِنْهَا الْبِدَايَةُ بِالصَّفَا، وَالْخَتْمُ بِالْمَرْوَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، وَخَتَمَ بِالصَّفَا لَزِمَهُ إعَادَةُ شَوْطٍ وَاحِدٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ السَّعْيِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَتَرَكَ التَّرْتِيبَ.
(وَلَنَا) أَنَّ التَّرْتِيبَ هَهُنَا مَأْمُورٌ بِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ، أَمَّا قَوْلُهُ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ عَزَّ، وَجَلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] قَالُوا بِأَيِّهِمَا نَبْدَأُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» .
وَأَمَّا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ بَدَأَ بِالصَّفَا، وَخَتَمَ بِالْمَرْوَةِ، وَأَفْعَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِثْلِ هَذَا مُوجِبَةٌ لِمَا تَبَيَّنَ، وَإِذَا لَزِمَتْ الْبِدَايَةُ بِالصَّفَا فَإِذَا بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ فَإِذَا جَاءَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ كَانَ هَذَا أَوَّلَ شَوْطٍ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 134
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست