responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 552
وَقَدْ حَاجَّهُمْ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِجَاجِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 75 - 76] رُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ أَرَادَ تَقْرِيرَ قَوْمِهِ عَلَى صِحَّةِ اسْتِدْلَالِهِ وَبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ، فَقَالَ: {هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} . وَكَانَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهَا فِي هَيَاكِلِهِمْ وَعِنْدَ أَصْنَامِهِمْ عِيدًا لَهُمْ، فَقَرَّرَهُمْ لَيْلًا عَلَى أَمْرِ الْكَوْكَبِ عِنْدَ ظُهُورِهِ وَأُفُولِهِ وَحَرَكَتِهِ وَانْتِقَالِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ إلَهًا لِمَا ظَهَرَتْ فِيهِ مِنْ آيَاتِ الْحَدَثِ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الْقَمَرِ، ثُمَّ لَمَّا أَصْبَحَ قَرَّرَهُمْ عَلَى مِثْلِهِ فِي الشَّمْسِ حَتَّى قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ كَسَّرَ أَصْنَامَهُمْ; وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمُحَاجَّةِ فِي الدِّينِ وَاسْتِعْمَالِ حُجَجِ الْعُقُولِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِدَلَائِل اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَوْحِيدِهِ وَصِفَاتِهِ الْحُسْنَى، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُوجَ الْمُنْقَطِعَ يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُ الْحُجَّةِ وَتَرْكُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ. وَتَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْحِجَاجَ فِي إثْبَاتِ الدِّينِ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا حَاجُّهُ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمَحْجُوجِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا أُلْزِمَ مِنْ الْحِجَاجِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ مِنْهُ مَخْرَجًا صَارَ إلَى مَا يَلْزَمُهُ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ سَبِيلُهُ أَنْ يُقْبَلَ بِحُجَّتِهِ; إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إلَّا بِظُهُورِ حُجَّةِ الْحَقِّ وَدَحْضِ حُجَّةِ الْبَاطِلِ وَإِلَّا فَلَوْلَا الْحُجَّةُ الَّتِي بَانَ بِهَا الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ لَكَانَتْ الدَّعْوَى مَوْجُودَةً فِي الْجَمِيعِ فَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ وَأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهِ مَا نَصَبَ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى تَوْحِيدِهِ; لِأَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ إنَّمَا حَاجُّوا الْكُفَّارَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِصِفَةٍ تُوجِبُ التَّشْبِيهَ وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِأَفْعَالِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا وَقَدْ أَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا عِنْدَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: "عِنْدِي أَنِّي لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ". وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} وَقَدْ كَانُوا لَبِثُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ فِيمَا أَخْبَرُوا عَمَّا عِنْدَهُمْ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: "عِنْدَنَا فِي ظُنُونِنَا أَنَّنَا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ". وَنَظِيرُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: قَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيَتْ؟ فَقَالَ: "لَمْ تُقْصَرْ وَلَمْ أَنْسَ" وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَادِقًا; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا عِنْدَهُ فِي ظَنِّهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّهَا. فَهَذَا كَلَامٌ سَائِغٌ جَائِزٌ غَيْرُ مَلُومٍ عَلَيْهِ قَائِلُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَظَنِّهِ لَا عَنْ حَقِيقَةِ مُخْبِرِهِ; وَلِذَلِكَ عَفَا اللَّهُ عَنْ الْحَالِفِ بِلَغْوِ الْيَمِينِ، وَهُوَ فِيمَا رُوِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِمَنْ سَأَلَ: هَلْ كَانَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 552
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست