responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 511
أَنْفُسِكُمْ} الْآيَةَ. وَقَدْ قِيلَ فِي الْخِطْبَةِ إنَّهَا الذِّكْرُ الَّذِي يُسْتَدْعَى بِهِ إلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ. وَالْخُطْبَةُ بِالضَّمِّ: الْمَوْعِظَةُ الْمُتَّسِقَةُ عَلَى ضُرُوبٍ مِنْ التَّأْلِيفِ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا: إنَّ الْخُطْبَةَ مَا لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ كَالرِّسَالَةِ، وَالْخِطْبَةُ لِلْحَالِ نَحْوَ الْجِلْسَة وَالْقِعْدَةِ. وَقِيلَ فِي التَّعْرِيضِ: إنَّهُ مَا تَضَمَّنَ الْكَلَامُ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لَهُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: مَا أَنَا بِزَانٍ; يُعَرِّضُ بِغَيْرِهِ أَنَّهُ زَانٍ; وَلِذَلِكَ رَأَى عُمَرُ فِيهِ الْحَدَّ وَجَعَلَهُ كَالتَّصْرِيحِ. وَالْكِنَايَةُ الْعُدُولُ عَنْ صَرِيحِ اسْمِهِ إلَى ذِكْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] يَعْنِي الْقُرْآنَ; فَالْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "التَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَمْرِهَا وَأَمْرِهَا، يُعَرِّضُ لَهَا بِالْقَوْلِ". وَقَالَ الْحَسَنُ: "هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: إنِّي بِك لَمُعْجَبٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَلَا تُفَوِّتِينَا نَفْسَك". وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةِ بِنْتِ قَيْسٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ: "لَا تُفَوِّتِينَا بِنَفْسِك" ثُمَّ خَطَبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ: إنَّك لَكَرِيمَةٌ وَإِنَّى فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْك خَيْرًا، أَوْ نَحْوُ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ". وَقَالَ عَطَاءٌ: "هُوَ أَنْ يَقُولَ: إنَّك لَجَمِيلَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنْ قَضَى اللَّهُ شَيْئًا كَانَ". فَكَانَ التَّعْرِيضُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَدُلُّ فَحَوَاهُ عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا وَلَا يُخْطِبُهَا بِصَرِيحِ الْقَوْلِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} : "أَنْ يَقُولَ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي لَأَرْجُوَ أن نجتمع".
وقوله تعالى: {وْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} يَعْنِي أَضْمَرْتُمُوهُ مِنْ التَّزْوِيجِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ وَإِضْمَارَ نِكَاحِهَا مِنْ غَيْرِ إفْصَاحٍ بِهِ.
وَذَكَرَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي نَفْيِ الْحَدِّ فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ التَّعْرِيضَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ، كَذَلِكَ لَا يُجْعَلُ التَّعْرِيضُ بِالْقَذْفِ كَالتَّصْرِيحِ. قَالَ إسْمَاعِيلُ: فَاحْتَجَّ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ; إذْ التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ قَدْ فُهِمَ بِهِ مُرَادُ الْقَائِلِ، فَإِذَا فُهِمَ بِهِ مُرَادُهُ وَهُوَ الْقَذْفُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْقَاذِفِ. قَالَ: وَإِنَّمَا يُزِيلُ الْحَدَّ عَنْ الْمُعَرِّضِ بِالْقَذْفِ مَنْ يُزِيلُهُ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ بِتَعْرِيضِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ; إذْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِغَيْرِهِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِ هَذَا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ جَائِزٌ مُبَاحٌ كَمَا أُبِيحَ التَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ بِالنِّكَاحِ. قَالَ: وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ دُونَ التَّصْرِيحِ; لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا وَيَقْتَضِي خِطْبَتُهُ جَوَابًا مِنْهَا، وَلَا يَقْتَضِي التَّعْرِيضُ جَوَابًا فِي الْأَغْلَبِ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْكَلَامُ الْأَوَّلُ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ خَصْمِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ صَحِيحٌ وَنَقْضُهُ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ وَاضِحُ الْفَسَادِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى نَفْيِ

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 511
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست