responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 107
وقوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} مَعْنَاهُ كَيْ تَكُونُوا، وَلَأَنْ تَكُونُوا كَذَلِكَ. وَقِيلَ فِي الشُّهَدَاءِ: إنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي خَالَفُوا الْحَقَّ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} [الزمر: 69] . وَقِيلَ فِيهِ: إنَّهُمْ يَشْهَدُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَعَلَى أُمَمِهِمْ الْمُكَذِّبِينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوهُمْ لِإِعْلَامِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إيَّاهُمْ وَقِيلَ: لِتَكُونُوا حُجَّةً فِيمَا تَشْهَدُونَ كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدٌ بِمَعْنَى حُجَّةٍ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِأَجْمَعِهَا مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَشْهَدُونَ عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَشْهَدُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ عَلَى أُمَمِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ بِذَلِكَ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فِي نَقْلِ الشَّرِيعَةِ وَفِيمَا حَكَمُوا بِهِ وَاعْتَقَدُوا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَصْفُهُ إيَّاهَا بِالْعَدَالَةِ وَأَنَّهَا خِيَارٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَصْدِيقَهَا وَالْحُكْمَ بِصِحَّةِ قَوْلِهَا وَنَافٍ لِإِجْمَاعِهَا عَلَى الضَّلَالِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ قَوْلُهُ: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} بِمَعْنَى الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَنَّ الرَّسُولَ لَمَّا كَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ، وَلَمَّا جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى شُهَدَاءَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَقَدْ حَكَمَ لَهُمْ بِالْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الْقَوْلِ; لِأَنَّ شُهَدَاء اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُونَ كُفَّارًا وَلَا ضُلَّالًا، فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَنْ شَاهَدُوا فِي كُلِّ عَصْرٍ بِأَعْمَالِهِمْ دُونَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ زَمَنِهِمْ، كَمَا جُعِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا عَلَى مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ. هَذَا إذَا أُرِيدَ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالشَّهَادَةِ الْحُجَّةُ فَذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ شَاهَدُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي وَعَلَى مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا وَلِأَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ إذَا ثَبَتَتْ فِي وَقْتٍ فَهِيَ ثَابِتَةٌ أَبَدًا. وَيَدُلُّك عَلَى فَرْقِ مَا بَيْنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ فِي الْآخِرَةِ وَالشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ الْحُجَّةُ قَوْله تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء: 41] لَمَّا أَرَادَ الشَّهَادَةَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ خَصَّ أَهْلَ عَصْرِهِ وَمَنْ شَاهَدَهُ بِهَا، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117] . فَتَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْأَعْمَالِ إنَّمَا هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِحَالِ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ الَّتِي هِيَ الْحُجَّةُ فَلَا تَخْتَصُّ بِهَا أَوَّلُ الْأُمَّةِ وَآخِرُهَا فِي كَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ. كَذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ لَمَّا كَانُوا شُهَدَاءَ اللَّهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُجَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا حُجَّةً عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِمْ الدَّاخِلِينَ مَعَهُمْ فِي إجْمَاعِهِمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ. فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ عَصْرٍ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 1  صفحه : 107
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست