responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 279
الظَّانَّةِ أَنَّ فَوْزَهَا فِي الْآخِرَةِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ أَوْ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ أَوْ صَابِئَةٌ مَثَلًا، فَاللهُ يَقُولُ: إِنَّ الْفَوْزَ لَا يَكُونُ بِالْجِنْسِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِإِيمَانٍ صَحِيحٍ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى النَّفْسِ، وَعَمَلٌ يَصْلُحُ بِهِ حَالُ النَّاسِ؛ وَلِذَلِكَ نَفَى كَوْنَ الْأَمْرِ عِنْدَ اللهِ بِحَسْبِ أَمَانِيِّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَثْبَتَ كَوْنَهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ.
أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: الْتَقَى نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ الْيَهُودُ لِلْمُسْلِمِينَ: نَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، دِينُنَا قَبْلَ دِينِكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا، وَقَالَتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا بَعْدُ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ نَبِيِّكُمْ، وَدِينُنَا بَعْدُ دِينِكُمْ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ أَنْ تَتْبَعُونَا وَتَتْرُكُوا أَمْرَكُمْ، فَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ - تَعَالَى -: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ) (4: 12) الْآيَةِ. وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنْ مَسْرُوقٍ وَقَتَادَةَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا ((لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ. إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ أَمَانِيُّ الْمَغْفِرَةِ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَلَا حَسَنَةَ لَهُمْ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ - تَعَالَى - وَكَذَبُوا،
لَوْ أَحْسَنُوا الظَّنَّ لَأَحْسَنُوا الْعَمَلَ)) .
وَالْحِكْمَةُ فِي عِنَايَةِ اللهِ - تَعَالَى - بِالنَّعْيِ عَلَى الْمُغْتَرِّينَ بِالِانْتِسَابِ إِلَى الدِّينِ - أَيًّا كَانَ - ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّ هَذَا الْغُرُورَ هُوَ الَّذِي صَرَفَهُمْ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ اكْتِفَاءً بِالِانْتِسَابِ إِلَيْهِ وَجَعْلِهِ جِنْسِيَّةً فَقَطْ. وَتَرْكُ الْعَمَلِ لَازِمٌ أَوْ مَلْزُومٌ لِعَدَمِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ، أَيْ عَدَمِ فَهْمِ حِكَمِهِ وَأَسْرَارِهِ، وَتَبِعَ هَذَا فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ تَرْكُ النَّظَرِ فِيمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْمَغْرُورَ بِمَا هُوَ فِيهِ لَا يَنْظُرُ فِيمَا سِوَاهُ نَظَرًا صَحِيحًا لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لَهُ.
وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَسْأَلَةَ أَهْلِ الْفَتْرَةِ وَالْخِلَافَ الْمَشْهُورَ فِيهَا، وَهُوَ أَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُ: إِنَّهُمْ نَاجُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إِلَّا بِشَرْعٍ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ بِالْعَقْلِ يُدْرَكُ الْوَاجِبُ وَالْمُحَرَّمُ وَالِاعْتِقَادُ الصَّحِيحُ وَالْبَاطِلُ، عَدَّهُمْ غَيْرَ نَاجِينَ. وَهَذَا رَأْيُ الْمُعْتَزِلَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَجُمْهُورُ الْأَشَاعِرَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِدْرَاكُ ذَلِكَ إِلَّا بِالشَّرْعِ، ثُمَّ إِنَّ مَحَلَّ النَّظَرِ فِي أَهْلِ الْفَتْرَةِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَالْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ نُبُوَّةَ أَنْبِيَاءَ وَلَا يَجِدُونَ لَدَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ دِينِهِمْ خَالِصًا مِنَ الشَّوَائِبِ، سَالِمًا مِنَ النَّزَعَاتِ الْفَاسِدَةِ. وَأَمَّا مِثْلُ الْيَهُودِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّوْا أَهْلَ فَتْرَةٍ، فَإِنَّهُمْ عَلَى نِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، وَتَحْرِيفِهِمْ بَعْضَ مَا حَفِظُوا، قَدْ بَقِيَ جَوْهَرُ دِينِهِمْ مَعْرُوفًا لَمْ يَغْشَ أَحْكَامَهُ مَا يَمْنَعُ الِاهْتِدَاءَ بِهَا، وَاللهُ - تَعَالَى - يَقُولُ: (وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ) (5: 43) وَكَذَلِكَ الْمَسِيحِيُّونَ لَا يُسَمَّوْنَ أَهْلَ فَتْرَةٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ وَوَصَايَا الْأَنْبِيَاءِ مَا عِنْدَ الْيَهُودِ وَزِيَادَةً مِمَّا حَفِظُوا مِنْ وَصَايَا الْمَسِيحِ، وَرُوحُ الدَّعْوَةِ مَوْجُودٌ عِنْدَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِهَذِهِ الْوَصَايَا وَلَا يَأْخُذُونَ بِتِلْكَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 1  صفحه : 279
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست