responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 18
بِالرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ، فَكَيْفَ يَمْدَحُهُمْ وَهُمْ جُهَّالٌ! وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، حَكَاهُ عَنْهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي. قُلْتُ- وَقَدْ رَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْقَوْلَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَتَقْدِيرُ تَمَامِ الْكَلَامِ" عِنْدَ اللَّهِ" أَنَّ مَعْنَاهُ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ يَعْنِي تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ بَعْضَهُ قَائِلِينَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا بِمَا نَصَبَ مِنَ الدَّلَائِلِ فِي الْمُحْكَمِ وَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهِ إِلَيْهِ. فَإِذَا عَلِمُوا تَأْوِيلَ بَعْضِهِ وَلَمْ يَعْلَمُوا الْبَعْضَ قَالُوا آمَنَّا بِالْجَمِيعِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُنَا مِنَ الْخَفَايَا مِمَّا فِي شَرْعِهِ الصَّالِحِ فَعِلْمُهُ عِنْدَ رَبِّنَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ أُشْكِلَ عَلَى الرَّاسِخِينَ بَعْضُ تَفْسِيرِهِ حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أَدْرِي مَا الْأَوَّاهُ وَلَا مَا غِسْلِينُ) قِيلَ لَهُ: هَذَا لَا يَلْزَمُ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَفَسَّرَ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ. وَجَوَابٌ أَقْطَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ وَكُلُّ رَاسِخٍ فَيَجِبُ هَذَا فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ عَلِمَهُ الْآخَرُ. وَرَجَّحَ ابْنُ فُورَكَ أَنَّ الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَ التَّأْوِيلَ وَأَطْنَبَ فِي ذَلِكَ، وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:" اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ" مَا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ، أَيْ عَلِّمْهُ مَعَانِيَ كِتَابِكَ. وَالْوَقْفُ عَلَى هَذَا يَكُونُ عِنْدَ قَوْلِهِ" وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ". قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ تَسْمِيَتَهُمْ رَاسِخِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَكْثَرَ مِنَ الْمُحْكَمِ الَّذِي يَسْتَوِي فِي عِلْمِهِ جَمِيعُ مَنْ يفهم كلام العرب. وفى أي شي هُوَ رُسُوخُهُمْ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الْجَمِيعُ. لَكِنَّ الْمُتَشَابِهَ يَتَنَوَّعُ، فَمِنْهُ مَا لَا يُعْلَمُ الْبَتَّةَ كَأَمْرِ الرُّوحِ وَالسَّاعَةِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِغَيْبِهِ، وَهَذَا لَا يَتَعَاطَى عِلْمَهُ أَحَدٌ لَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَا غَيْرُهُ. فَمَنْ قال من العلماء الحداق بِأَنَّ الرَّاسِخِينَ لَا يَعْلَمُونَ عِلْمَ الْمُتَشَابِهِ فَإِنَّمَا أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ، وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى وُجُوهٍ فِي اللُّغَةِ وَمَنَاحٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَيُتَأَوَّلُ وَيُعْلَمُ تَأْوِيلُهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَيُزَالُ مَا فِيهِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَتَعَلَّقَ مِنْ تَأْوِيلٍ غَيْرِ مُسْتَقِيمٍ، كَقَوْلِهِ فِي عِيسَى:" وَرُوحٌ مِنْهُ" [1] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُسَمَّى أَحَدٌ رَاسِخًا إلا بأن يَعْلَمَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَا قُدِّرَ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمُتَشَابِهَ هُوَ الْمَنْسُوخُ فَيَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِ إِدْخَالُ الرَّاسِخِينَ فِي عِلْمِ التَّأْوِيلِ، لَكِنَّ تَخْصِيصَهُ الْمُتَشَابِهَاتِ بِهَذَا النوع غير صحيح.

[1] راجع ج 6 ص 21
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 4  صفحه : 18
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست