responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 737
قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
جُرِّدَتْ جُمْلَةُ (قُلْ) مِنَ الْعَاطِفِ لِوُقُوعِهَا فِي مَقَامِ الْحِوَارِ مُجَاوَبَةً لِقَوْلِهِمْ كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ أَيْ بَلْ لَا اهْتِدَاءَ إِلَّا بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهَا لَمَّا جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ أَبْطَلَ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَدْيَانِ.
وَانْتَصَبَ (مِلَّةَ) بِإِضْمَارِ تَتَبُّعٍ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ لِأَنَّ كُونُوا هُوداً بِمَعْنَى اتَّبِعُوا الْيَهُودِيَّةَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ عَطْفًا عَلَى هُوداً وَالتَّقْدِيرُ بَلْ نَكُونُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ أَيْ أَهْلَ مِلَّتِهِ كَقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَمَّا وَفَدَ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُسْلِمَ: «إِنِّي مِنْ دِينٍ أَوْ مِنْ أَهْلِ دِينٍ» يَعْنِي النَّصْرَانِيَّةَ.
وَالْحَنِيفُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَنَفِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْمَيْلُ فِي الرَّجُلِ قَالَتْ أُمُّ الْأَحْنَفِ ابْن قَيْسٍ فِيمَا تُرَقِّصُهُ بِهِ:
وَاللَّهِ لَوْلَا حَنَفٌ بِرِجْلِهِ ... مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ
وَالْمُرَادُ الْمَيْلُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الَّذِي بِهِ حَنَفٌ يَمِيلُ فِي مَشْيِهِ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُعْتَادِ.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مَدْحًا لِلْمِلَّةِ لِأَنَّ النَّاسَ يَوْمَ ظُهُورِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ كَانُوا فِي ضَلَالَةٍ عَمْيَاءَ فَجَاءَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ مَائِلًا عَنْهُمْ فَلُقِّبَ بِالْحَنِيفِ ثُمَّ صَارَ الْحَنِيفُ لَقَبَ مَدْحٍ بِالْغَلَبَةِ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ (حَنِيفًا) حَالًا مِنْ (إِبْرَاهِيمَ) وَهَذَا مِنْ مَوَاضِعِ الِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ حَالًا لِمِلَّةٍ إِلَّا أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ يُطَابِقُ مَوْصُوفَهُ إِلَّا أَنْ تُؤَوَّلَ مِلَّةٌ بَدِينٍ عَلَى حد إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الْأَعْرَاف: 56] أَيْ إِحْسَانِهِ أَوْ تَشْبِيهِ فَعِيلٍ إِلَخْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ بِفَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الدِّينَ الْإِسْلَامِيَّ مِنْ إِسْلَامِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَوْلُهُ: وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جُمْلَةٌ هِيَ حَالَةٌ ثَانِيَةٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ احْتِرَاسٌ لِئَلَّا يَغْتَرَّ الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِ: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ أَيْ لَا نَكُونُ هُودًا وَلَا نَصَارَى فَيَتَوَهَّمُ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَدْيَانِ إِلَّا مَا هُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَّا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْمَدْحِ لَهُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ فَضَائِلِهِ وَهَذَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ غَلِطَ فِيهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» غَلَطًا فَاحِشًا كَمَا سَيَأْتِي.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 737
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست